نظام تراخيص الصحف في الكويت وسلطة
القضاء في الرقابة عليه
دراسة تحليلية نقدية
د. محمد عبدالمحسن المقاطع
أستاذ القانون العام المساعد
كلية الحقوق- جامعة الكويت
يونيو 2000
المقدمة:
يتميز وضع الصحف في الكويت من الناحية التاريخية بقدمه النسبي إذ أن أول صحيفة كويتية صدرت في الكويت كانت عام 1928(1) وهو تاريخ كما يظهر من مطالعته يعبر عن نشأة مبكرة للصحافة في الكويت إذا ما قورنت بالعديد من الدول العربية والإسلامية، ووجه التميز الآخر الذي تتسم به الصحافة في الكويت هو وجودها الواقعي الحر دون أن تخضع لقيود تنظيمية مسبقة في ترخيصها أو إنشائها من الناحية القانونية، فقد شهدت الصحافة الكويتية ازدهارا وتنوعا واسعا في نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات من القرن العشرين(2) وهي في كل ذلك لم تكن خاضعة لتنظيم قانوني محدد(3) إذ أن التنظيم القانوني للصحافة في الكويت لم يبدأ فعليا إلا في أواخر الخمسينيات من هذا القرن(4) وكان ذلك بتنظيم مبسط لم يعرف التعقيد ولا فكرة الترخيص المسبق لممارسة حرية إنشاء المؤسسة الصحفية أو الصحيفة فكان أن سجلت الصحافة الكويتية بذلك أسبقية تكسبها مكانة واقعية على تمتعها بحرية النشأة والصدور بعيدة عن التنظيم القانوني المقيد لوجودها وهو ما يصح معه التعبير عن أن نشأة الصحافة في الكويت كانت منذ بدايتها نشأة حرة بعيدا عن قيود الدولة وتدخلها ووضعها تحت مظلة الترخيص أو حتى الإخطار المسبق قبل قيامها أو صدورها وهي بذلك تستمد من العرف الواقعي الذي نشأت في كنفه ضمانة أساسية وبعدا قانونيا يعزز من استقلاليتها وبعدها عن صور التنظيم القانوني المنتقص من حريتها أو المصادر لها، ومن ثم كان لابد من أن يراعي التنظيم القانوني اللاحق هذا الاعتبار ويتجاوب مع مستلزماته بالانحياز للتنظيم الخالي من القيود إلا ما كان ضروريا للقيام بدور الإشراف العام وتوفير المناخ القانوني اللازم لحفظ التوازن بين الحقوق المتقابلة للأفراد حتى لا تهدر المسئولية القانونية عند ممارسة حرية الصحافة وحال انتهاكها لما يجب أن تراعيه من ضوابط الموازنة بين الحريات واعتبارات المصلحة العامة(5).
وقد شهدت الكويت تطورا تشريعيا هاما في تنظيم تراخيص الصحف وذلك بصدور القانون رقم 3 لسنة 1961 والخاص بالمطبوعات والنشر(6)، وهو
(1) د. محمد حسن عبدالله ( الصحافة الكويتية في ربع قرن) مطبوعات جامعة الكويت 1974- ص(9) وأنظر أيضاDr. Badran A. Badran " Kuwait's pre- Independence press" 1928-1961 P.306 :
منشور بمجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية السنة 16، العدد 63 – يوليو 1990.
(2) أنظر في تطور الصحافة الكويتية: د. محمد حسن عبدالله " صحافة الكويت رؤية عامة بين الدوافع والنتائج" منشورات مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية، الكويت 1985، الصفحات 10-14.
(3) المرجع المشار اليه في الهامش السابق ص 150، حيث يشير إلى " غياب التشريعات المنظمة للإطار الذي تصدر
فيه الصحف، وتتحرك، فقد صدر اول قانون بهذا الخصوص سنة 1956، ولم يكن خاصا بالصحف، كما كان ينطوي
على كثير مـن الغموض. وقد صدر أول قانون تفصيلي سنة 1961 تحت رقم 3".
(4) صدر اول تشريع لتنظيم الصحف في الكويت عام 1956، وكانت أداة صدوره هي أمر أميري..
(5) أنظر د.عثمان عبدالملك الصالح " النظام الدستوري والمؤسسات السياسية في الكويت، 1989، ص 275.
(6) أنظر في ذلك د. فتحي فكري " التنظيم القانوني للصحف في دولة الامارات"، مطبوعات جامعة الكويت،1994، ص 40-41.
تشريع سبق في وجوده استقلال الكويت الذي تم في 19 يونيو 1961، كما أنه سبق وضع الدستور الحالي للكويت الصادر في 11 نوفمبر 1962. وقد تناول هذا التشريع لأول مرة وبشكل مفصل تنظيم تراخيص الصحف، فكان هذا التنظيم تطورا تشريعيا مهما رغم أنه سجل تراجعا من زاوية المنهج الذي تبناه في تنظيم حرية الصحافة إذ أنه قد انحاز وبشكل واضح إلى النظام الوقائي، أي أنه رهن ممارسة حرية الصحافة بالموافقة المسبقة للسلطة الإدارية، وهو ما يعتبر دون أدنى شك تراجعا عن النشأة الحرة التي بدأت واستمرت الصحافة الكويتية في كنفها كما سبق وأن أشرنا.
وفي 11 نوفمبر 1962 ومع صدور الدستور الحالي للكويت الذي اعتنق النظام الديمقراطي واختار النظام النيابي البرلماني أسلوبا لممارسة الحكم وللنهج الديمقراطي الذي تبناه، وجدت حرية الصحافة ونظام ترخيصها سندا دستوريا هاما قام بكفالتها وتناول تنظيمها ووضع الضمانات اللازمة لنموها وحمايتها، فكان منهج الدستور مرجحا في تنظيمه للحريات الأسلوب العقابي، شاملا في ذلك تنظيم حرية الصحافة وتراخيصها، وهو ما نقل نظام تراخيص الصحف في الكويت نقلة أخرى تعيده من جديد إلى نشأته الأولى الحرة.(7)
هذا التطور الدستوري فرض تساؤلا مهما حول وضع تنظيم تراخيص الصحف بين التشريع السابق لصدور الدستور ووضعه في ظل الدستور، خصوصا وأن الدستور قد تضمن نصا انتقاليا هو نص المادة 180 منه قرر بموجبه استمرار سريان القوانين والمراسيم والقرارات المعمول بها ما لم تعدل أو تلغ وفقا لما قرره الدستور من أحكام وبشرط ألا يتعارض مع نص من نصوصه. وقد تم التعامل من الناحية الواقعية مع قانون المطبوعات باعتباره قانونا لا يتعارض مع أحكام الدستور فلم يعدل حكم منه أو يلغ، بل لقد تناول المشرع هذا القانون بتعديلات عديدة بما يمنحه قرينة إضافية على عدم معارضته لأحكام الدستور، وهو موضوع سنتعرض له لاحقا بالدراسة والتحليل.(8)
ومما جعل هذا الموضوع يصبح أكثر أهمية في تناوله هو أنه وبعد مضي ما يقارب عشرين سنة على صدور الدستور، أي في عام 1981-1982، صدر قانون تنظيم الدائرة الإدارية في الكويت، وقرر في نص المادة الأولى الفقرة الخامسة منه منع الطعن في القرارات الصادرة بشأن تراخيص الصحف في الكويت مكررا ما جاء في قانون المطبوعات والنشر من تحصين لهذه القرارات، الأمر الذي خلق تناقضا في النظام القانوني للدولة في شأن هذا الموضوع.(9)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(7) في أهمية النظام الديمقراطي البرلماني لدعم الحريات العامة وحرية الصحافة، أنظر Hilaire Barnett " Constitutional & Administrative Law" London , 1999, P.839
(8) أنظر على سبيل المثال التعديلات التي لحقت قانون المطبوعات والنشر والتي أقرها مجلس الأمة وصدق عليها الأمير في القانون رقم 9 لسنة 1965 والقانون رقم 9 لسنة 1972، والقانون رقم 59 لسنة 1976.
(9) أنظر في ذلك : ذهيبان العجمي " القيود الواردة على حق التقاضي ومدى مخالفتها لنصوص الدستور" رسالة ماجستير، جامعة الكويت 1988، ص 115.
وقد لحق ذلك تطورات أخرى لا تقل أهمية عما سبق، تمثلت في نقل موضوع نظام تراخيص الصحف في الكويت إلى ساحة القضاءين الإداري والدستوري، فكان لهما موقفا يحتاج للتحليل أيضا وصولا للرأي القانوني المناسب في شأن الموضوع.
وعليه وحتى يتحقق الغرض الذي يسعى إليه هذا البحث ، فإننا سنتناول دراسة موضوعه وفقا للخطة الآتية:
المبحث الثاني: سلطة القضاء في الرقابة على نظام تراخيص الصحف.
المبحث الأول
نظام تراخيص الصحف في الكويت
إن دراسة نظام تراخيص الصحف في الكويت بالعرض والتحليل والنقد يقتضي أن نتناول الإطار الأساسي لهذا النظام من خلال ما قرره الدستور من مبادئ في شأنه وما قرره من أسس وتوجيهات تعتبر دون شك الأساس الجوهري لهذا النظام، ثم نعرج بعد ذلك لنتناول هذا الموضوع من خلال ما قرره القانون من إجراءات وتنظيم لحرية الصحافة ونظام تراخيصها بما يفتح المجال إلى عقد المقارنة اللازمة بين التنظيمين الدستوري والتشريعي لنظام تراخيص الصحف في الكويت، وبيان مدى التوافق أو التناقض بينهما سيما في ضوء نص المادة 180 من الدستور كما سبق وأن أشرنا، فضلا عن بيان مدى انسجام ذلك أو عدم انسجامه مع الاتجاهات التشريعية السائدة في القانون المقارن بصورة عامة بما يدعم هذا البحث وما سيعرض له بعد ذلك من تناول للمنهج التشريعي في تنظيم الحرية الصحفية وترخيصها في الكويت، وموقعه من النظامين الأساسين من أساليب تنظيم الحريات وهما النظامان الوقائي والعقابي، مع ما يستلزمه ذلك من تحليل ونقد لابد منه، وأخيرا ندرس تشخيص نظام تراخيص الصحف في الكويت في التنظيمين الدستوري والقانوني مبرزين أهم المظاهر التي اتسم بها هذا التنظيم سواء أكان ذلك إيجابيا أم سلبيا حسب رأينا وفقا للتحليل والنقد الذي سنورده ونحن في صدد تناول هذا الموضوع.
وعليه فإننا سنقسم دراستنا لهذا المبحث إلى اربعة مطالب وذلك وفقا لما يلي:
المطلب الأول: التنظيم الدستوري لتراخيص الصحف في الكويت.
المطلب الثاني: التنظيم التشريعي لتراخيص الصحف في الكويت.
المطلب الثالث: نقد التنظيم الدستوري والتشريعي لتراخيص الصحف.
التنظيم الدستوري لتراخيص الصحف في الكويت
شهدت الكويت طوال تاريخها الحديث منذ عام 1921 وحتى صدور الدستور الحالي في 11 نوفمبر 1962، وضع وإقرار خمس وثائق دستورية لنظامها السياسي(10).
إلا أن الملاحظة الجديرة بالتسجيل هي أن حرية الصحافة وتنظيمها لم تحظ باهتمام الوثيقة الدستورية لعام 1921، وكذلك دستور عام 1938، وقد جاءت مسودة دستور عام 1938 والذي بسببه حل المجلس النيابي وقتذاك (11)، مشيرة فقط لحرية الرأي والنشر بشكل عام، حيث قررت المادة الثالثة عشر منه ما يلي " للكويتيين حرية إبداء الرأي والنشر والاجتماع وتأليف الجمعيات…"
وهي إشارة رغم أهميتها في بيان تطور الفكر الدستوري في الكويت وجنوحه الواضح إلى اعتناق الحقوق والحريات العامة، إلا أنها رغم ذلك تبقى إشارة ناقصة، من ناحيتين أولهما عدم تناولها حرية الصحافة ونظام ترخيصها إلا بطريقة غير مباشرة وعلى نحو مبتسر، وثانيهما هو أن هذه الوثيقة أساسا لم تر النور نظرا لحل المجلس التشريعي كما سبق وذكرناه قبل صدور هذه الوثيقة(12)، أما دستور فترة الانتقال الصادر في عام 1961(13) فقد اهتم بهذه الحرية اهتماما مقبولا، إذ أفرد لها نصا خاصا أكد فيه على فكرة الصحافة الحرة، ويجرى حكمه بما يلي:
" الصحافة حرة في حدود القانون ولا يجوز تعطيلها إلا وفق أحكام القانون" إلا أن الطبيعة المختصرة والمؤقتة لهذا الدستور لم تسمح بتخصيص قدر أكبر من الاهتمام بتنظيم حرية الصحافة.
ولعل الاهتمام والتنظيم الدستوري الحقيقي لحرية الصحافة ونظام تراخيصها قد وجد سبيله إلى الدستور الحالي الصادر في 11 نوفمبر 1962، أي بعد استقلال الكويت. وقد جاء هذا التنظيم بالعديد من المبادئ والأسس الدستورية التي لا غنى لحرية الصحافة عنها، ولا وجود حقيقي لها بدونها إذ أن هذا الدستور قد قرر كفالته لهذه الحرية بتقريرها بشكل صريح ودقيق في المادة (37) منه وقد أوردها الدستور في باب الحقوق والواجبات العامة ليؤكد على مكانتها الدستورية
(10) أنظر في ذلك، د. عادل الطبطبائي " مجموعة الوثائق الدستورية الكويتية 1921-1962"مجلة الحقوق- ملحق العدد الأول، السنة الرابعة والعشرون، مارس 2000، وأنظر أيضا " الاستقلال والتحرير وأهم الوثائق الدستورية" ملحق من إصدار مجلة الميزان- السنة الأولى، العدد 6، فبراير/ مارس 1998.
(11) أنظر خالد العدساني " نصف عام للحكم النيابي في الكويت" حيث أنه أورد مسودة دستور عام 1938 المذكور في ملحق الكتاب، بيروت 1947، الصفحات 48- 53.
(12) المرجع السابق في ص 34، حيث يذكر العدساني أن مشروع دستور عام 1938 كان سببا لحل المجلس.
(13) أنظر د.عبدالفتاح حسن"مبادئ النظام الدستوري في الكويت"دار النهضة العربية، بيروت،1968،ص 18.
وارتفاعها إلى مصاف الحقوق الأساسية،(14) وقد سبقها بمادة دستورية تمهد لها وتتكامل معها وهي المادة (36) منه، والخاصة بحرية الرأي والبحث العلمي والتعبير عن الرأي.(15)
ولم يكتف الدستور بكفالة هذه الحرية وإنما تولى تنظيمها باعتبارها من الحريات المقيدة التي يتناول هو بنصوصه والاعتراف بها من حيث المبدأ ثم يحيل في تنظيم تفاصيلها إلى المشرع العادي، بمراعاة ما يقتضيه التنظيم التشريعي عادة من عدم جواز مصادرة أصل الحق أو الانتقاص منه تحت شعار التنظيم.(16)
وأخيرا فقد وضع الدستور الضمانات اللازمة لحماية هذه الحرية، من خلال مبادئ دستورية هامة منها ما يتصل بمبدأ الفصل بين السلطات وفقا لنص المادة 50 منه، ومنها ما يتعلق بكفالة حق التقاضي وفقا لنص المادة 166 منه، فضلا عن تقرير الولاية الشاملة لقضاء إداري ينشأ ويشمل في اختصاصه ولايتي الإلغاء والتعويض، وفقا لما يجري به حكم المادة 169 من الدستور والتي تقرر:
" ينظم القانون الفصل في الخصومات الإدارية بواسطة غرفة أو محكمة خاصة يبين القانون نظامها وكيفية ممارستها للقضاء الإداري شاملا ولاية الإلغاء وولاية التعويض بالنسبة إلى القرارات الإدارية المخالفة للقانون".
بل أن الدستور كذلك تعمد أن يترك الباب مفتوحا نحو وجود قضاء إداري مستقل يمكن أن ينشأ وذلك بتبنيه لفكرة مجلس الدولة كما قررت ذلك المادة 171 منه ليكون قمة النظام القضائي الإداري، باعتباره الضمانة العملية للذود عن الحقوق والحريات العامة في مواجهة تسلط الإدارة، وهو ما يشمل في نظامه حماية حرية الصحافة ونظام تراخيصها من تعسف الإدارة وتغولها على هذه الحرية الأساسية.
وسوف نتناول تباعا هذه الجوانب الثلاثة في التنظيم الدستوري بالدراسة والنقد والتحليل:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(14) يجري نص المادة 37 بما يلي " حرية الصحافة والطباعة والنشر مكفولة وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون" وهو ذات الموقف الذي اعتنقه الدستور الأمريكي الصادر عام 1787، أنظر في ذلك:
P. Fotheringham & J.G. Kellas “ American Government & Politics”
(15) تنص المادة 36 على ما يلي " حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما، وذلك وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون".
(16) أنظر في ذلك د. محمد حسنين عبدالعال " القانون الدستوري" القاهرة 1992، ص 202، حيث يشير إلى أهمية العناية الدستورية بالحريات والحقوق العامة، دون أن يغفل ما يجري عليه العمل في واقع الحياة السياسية. وأنظر أيضا ما استقرت عليه أحكام القضاء الدستوري في مصر والكويت في هذا الشأن ومن ذلك :
أ- تقول المحكمة الدستورية العليا في مصر " الأصل أن سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق، أنها سلطة تقديرية ما لم يقيد الدستور ممارستها بضوابط تحد من إطلاقها، ولا يجوز للمشرع –- في هذا المجال- أن ينال من الحق محل الحماية الدستورية، بالنقص أو الانتقاص " القضية رقم 16 لسنة 15 قضائية بتاريخ 14/1/1995.
ب- حكم المحكمة الدستورية في الكويت رقم 1 لسنة 1979 (دستوري).
ج- حكم المحكمة الدستورية في الكويت رقم 3 لسنة 1982 تفسير دستوري.
أ- الدستور كفل حرية الصحافة ونظام تراخيصها.
تبنى الدستور الكويتي حرية الصحافة ورفعها إلى مصاف الحقوق والحريات الدستورية دون غموض أو تردد، بل أنه قد كفلها بشكل مباشر بما يمتنع معه على أية سلطة من السلطات الثلاث تجاوزها أو مصادرتها أو التردد في بسط حمايتها لها ما وسعها الأمر إلى ذلك سبيلا. وتعبر كفالة الدستور الكويتي لهذه الحرية الهامة عن تجاوبه مع الاتجاهات العالمية الحديثة في التأكيد على هذه الحرية الفكرية الهامة،(17) بدءا من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1948، والذي أكد في المادة 19منه على أن " لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود".
ومرورا بما شهدته التنظيمات الدولية الإقليمية الحديثة أيضا من تأكيد على هذه الحرية مثل الاتحاد الأوربي، أو مواثيق الجامعة العربية(18) وهو الاتجاه الذي ما فتئت الدساتير الحديثة لمعظم الدول الديموقراطية تسير باتجاهه وتتبناه بصورة جلية، ومن ذلك نذكر دستور الولايات المتحدة الأمريكية، دستور الجمهورية الخامسة الفرنسية، ودستور بلجيكا، ودستور الدانمارك، ودستور ألمانيا، ودستور أسبانيا، وايطاليا (19)
وقبل ذلك وبعده انسجاما مع التطور الديمقراطي الذي شهدته الكويت وانتقلت من خلاله إثر صدور دستورها الحالي إلى نظام ديمقراطي ودستوري حديث، والذي تناول شتى أنواع الحقوق والحريات العامة للأفراد بما في ذلك وعلى رأسها الحريات الفكرية التي تعد حرية الصحافة أحد ركائزها الأساسية، خصوصا أن الدستور الذي لا ينطوي على الحقوق والحريات اليوم لا يعد دستورا من المنظور السياسي(20) ولعله من حسنات النهج الدستوري الكويتي في كفالته لحرية الصحافة أنه وضع حدا لا يجوز للدولة أن تتعداه في شأن هذه الحرية يتمثل بكونها من الحريات الدستورية الأساسية التي لا سبيل لتجاهلها أو إهدارها، وإلا فإنها تكون قد وقعت في حومة المخالفة الدستورية، بل هو نهج يمنع الدولة ومؤسساتها المختلفة من السير في الاتجاه المعاكس للإتجاه الذي اعتنقه الدستور وتبناه.
وحرية الصحافة في رأينا حسبما قررها الدستور تعني بمفهومها القانوني المعروف في القانون المقارن حرية إنشاء المؤسسة الصحفية أو تملكها
_____________________________________________________________________
(17)أنظر د. محمد يوسف علوان " حقوق الإنسان في المواثيق الدولية والدساتير الوطنية" مطبوعات جامعة الكويت 1988، ص 134- 138.
(18)المرجع السابق، الصفحات 141- 159.
(19)أنظر في ذلك: Maarseveen, Henevan & Tony Gerrander “ Written Constitutions Computerized
Comparative study” New York, 1978. P.P.210-218.
(20) أنظر في ذلك كل من د. محمد كامل ليلة " القانون الدستوري" القاهرة 1962 ص 21، د. السيد صبري " مبادئ القانون الدستوري" القاهرة 1946 ص 1. وأنظر في الرأي الآخر د. طعيمة الجرف " القانون الدستوري" ص 71. وأنظر د. رمزي الشاعر " النظرية العامة للقانون الدستوري" 1983، حيث يورد الآراء المختلفة ص 54-55، ثم يبرز رأيه المرجح للمعيار الموضوعي ص 58.
الجزئي أو الكامل، وفقا للدستور الكويتي وكفالته لها، بما يوصد معه الباب أمام النظريات الشمولية والاجتماعية في مفهوم الصحافة(21)، القائـم علـى احتكـار الدولة أو ملكيتها للمؤسسات الصحفية، والذي شهد رواجا وتجاوبا في ظل الأنظمة الدكتاتورية والاشتراكية لفترات زمنية ليست بالقليلة.
ومن الأهمية بمكان التأكيد هنا على أن حرية الصحافة- في تقديرنا-كما قررتها المادة37 من الدستور الكويتي لا تعني الصحف بمفهومها الذي يقتصر على الصحف المطبوعة بصورها التقليدية وإنما ينضوي تحت مفهومها الواسع حرية إنشاء وتملك وإصدار كل مؤسسة صحفية سواء أكانت صحفا بمفهومها التقليدي أو محطات إذاعة أو تلفزة أو وكالة أنباء، أو حتى صحف إلكترونية، وهذا هو المفهوم الشائع والمستقر اليوم في الدول الديمقراطية حينما تتناول حرية الصحافة “ Freedom of Press ” في نطاق دساتيرها ذات العمق التاريخي(22) ذلك أن الدستور الكويتي قد استخدم لفظ الصحف وشأنه في ذلك شأن غيره من الدساتير باعتباره اللفظ الشائع للصورة التقليدية للوسيط الإعلامي الذي من خلاله تمارس حرية الرأي والتعبير عنه وتتجسد بصورة حقيقية، ألا وهي كلمة الصحافة، بما يعنيه هذا المصطلح من مفهوم واسع كما سبق وأوضحناه. ومما يؤكد ذلك أن الدستور الكويتي قد تبنى حرية الرأي أولا بنص المادة 36 منه، ثم أردفها بالمادة 37 منه والتي لا يمكن للأولى أن تمارس بصورة فعالة ومؤثرة على الرأي العام إلا من خلال المؤسسة الصحفية، والتي كانت تتجسد فيما مضى من الزمان بالصورة التقليدية للكتابة المتداولة بصورة يومية متمثلة بالصحافة، غير أنها قد تطورت اليوم لتشمل الصحافة وغيرها من الوسائل والوسائط الإعلامية الأخرى كما أسلفنا، فقد ولى وانتهى عهد الصحافة الصفراء كما يعبر عن المرحلة الأولى لنشأتها، فنهج الدستور الكويتي هو نهج متكامل في كفالة هذه الحرية بأبعادها المختلفة، بل وتنظيمها بصورة محددة كما سنرى لاحقا(23)
والأصل في ظل التنظيم الدستوري في الكويت هو أن هذه الحرية قائمة ومتاحة للفرد يمارسها بعيدا عن التدخل المسبق من قبل الدولة أو من قبل السلطة التنفيذية على وجه التحديد، وهذه النتيجة هي ما يمكن التوصل إليه من عدد من المبادئ الدستورية التي قررها الدستور، ومن ذلك الطبيعة الديموقراطية للنظام السياسي والتي قررها الدستور بنص المادة 6 منه وهو نظام بطبيعته يجعل دور الدولة معقبا على إساءة استخدام الحريات والحقوق أو التعسف في ممارستها، ويبعدها عن أن تضع قيودا مسبقة على الحريات قبل ممارستها.
(21) أنظر النظريات الإعلامية د. حسين قايد " حرية الصحافة" كلية الحقوق بجامعة القاهرة، رسالة دكتوراه، الصفحات 12-13. وأنظر أيضا د. عثمان بن محمد الأخضر العربي " النظريات الإعلامية المعيارية" إصدار حوليات كلية الآداب – جامعة الكويت 1995 –1996 الصفحات 26-34.
(22)أنظر في ذلك: Jeffrey Jowell & Dawn Oliver “ The Changing Constitution” 1985, P.P.348-9.
وأنظر أيضا: Irving R. Kaufman “ The Medium , The Message , and the first Amendment” in Norman Dorsen, “ The evolving constitution” 1987, PP. 116-117.
(23)أنظر في الصحافة بمفهومها التقليدي، المرجع السابق ص 117.
وهو ما حمل البعض إلى القول بأن النظام الوقائي بطبيعته يتنافر مع النظام الديموقراطي، في حين أن النظام العقابي ( أي الذي لا يقيد الحرية قبل ممارستها بتعليق ذلك على الإذن المسبق من السلطة التنفيذية) يتجاوب مع النظام الديمقراطي.(24) ومما يؤكد ذلك هو أن الدستور الكويتي قد اعتنق النظام العقابي في الحريات الفكرية الأخرى التي كفلها، ومن ذلك حرية الاعتقاد المادة 35، حرية الرأي المادة 35 حق التعليم وفقا للمادة 40، حرية تكوين الجمعيات والنقابات وفقا لحكم المادة 43، وحرية الاجتماع المادة 44، وتقرر هذه المادة في هذا الشأن ما يلي " للأفراد حق الاجتماع دون حاجة لإذن أو إخطار سابق، ولا يجوز لأحد من قوات الأمن حضور اجتماعاتهم الخاصة".
ويساند ذلك أيضا ما قرره الدستور في ديباجته في بيان النهج الديمقراطي الذي يسعى إلى تحقيقه في الدولة، إذ تقرر تلك الديباجة " وسعيا نحو مستقبل أفضل ينعم فيه الوطن بمزيد من الرفاهية والمكانة الدولية، ويفئ على المواطنين مزيدا كذلك من الحرية السياسية".
ولعل ما يؤكد ذلك أيضا ما عمد الدستور إلى تبنيه في نص المادة 175 منه والتي تحظر تعديله فيما يتعلق بالحقوق والحريات التي تبناها إلا للمزيد من الضمانات، ويجري نص المادة المذكورة بما يلي " الأحكام الخاصة بالنظام الأميري للكويت وبمبادئ الحرية والمساواة المنصوص عليها في هذا الدستور لا يجوز اقتراح تنقيحها ما لم يكن التنقيح خاصا بلقب الإمارة أو بالمزيد من ضمانات الحرية والمساواة."
وهي جميعها مبادئ تبرز حقيقة كفالة الدستور الكويتي لهذه الحرية الهامة وما أرساه من مبادئ ترفع من مكانتها إلى مصاف الحقوق الدستورية الأساسية التي لا يجوز أن تترك لمحض إرادة السلطة التنفيذية التي ينظر إليها على أنها عدو الحرية الأول وهو ما يؤكده الاستقراء التاريخي والسياسي في شأن موقفها في هذا الخصوص.(25)
وأخيرا فإن كفالة الدستور لهذه الحرية وحجب السلطة التنفيذية عن ممارسة إمكانية تقييدها المسبق، وفقا للفكر الديمقراطي الحر، جعل هذه الحرية ميدانا قاصرا على السلطتين التشريعية والقضائية باعتبارهما سلطتين لا تلازمهما حالة الريبة وعدم الثقة حين تتعاملان مع الحريات، بحسبان أن إحداهما تأتي من الشعب مصدر السلطات جميعا، وثانيهما تمثل الحمى الذي يلجأ إليه الأفراد للذود عن حقوقهم وحرياتهم.(26)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(24) أنظر في بيان انتماء النظام العقابي للنظام الديمقراطي د. حسين قايد " حرية الصحافة" ص 14.
(25) أنظر د. محمد محمد عبداللطيف " الحريات العامة" مطبوعات جامعة الكويت 1998، ص65 وما بعدها.
(26) المرجع السابق، ص 66 وما بعدها، وأنظر أيضا مناقشات تفصيلية حول موقف الفقه الحديث والقديم من الدستور وقضيتي السلطة والحرية لدى د. ابراهيم عبدالعزيز شيحا " القانون الدستوري" الاسكندرية 1983 الصفحات 34-41، حيث أنه يرى اعتبار الدستور كذلك دون ربطه بطبيعة النظام الذي يقيمه ديمقراطيا أو غير ديمقراطي.
ب- تنظيم الدستور الكويتي لحرية الصحافة واعتبارها من الحريات المقيدة:
عمد الدستور الكويتي في إطار اهتمامه بحرية الصحافة حسبما حددنا مفهومها سابقا بحيث تضم جميع أنواع وأشكال المؤسسات أو الوسائط الإعلامية، إلى إفرادها بالتنظيم الذي يتناول بيان هذه الحرية مبينا أن الإباحة في تملكها وإصدارها وممارستها هو الأصل الذي حرص على إرسائه مبرزا صورتها التقليدية وهي الصحف باعتبارها الصورة الشائعة والقديمة للوسائط الإعلامية شأنه في ذلك شأن غيره من الدساتير، دون أن تكون هذه الصورة حائلا أو عائقا من انضواء الوسائط الإعلامية الأخرى تحت مظلة التنظيم الدستوري الذي قرره(27)
والتنظيم الدستوري لأصل الحق كما تناولته المادة 37 من الدستور الكويتي يعني أن حرية الصحافة – أي إنشاء وتملك وإصدار الوسائط الإعلامية والمؤسسات الإعلامية حق متاح لكل شخص قانوني طبيعي أو اعتباري، فرد أو تجمع لا يجوز للمشرع، ومن باب أولى السلطة التنفيذية، أن تمنع الأفراد من ممارستها أو التمتع بها أيا كان شكل ذلك المنع أو حجته أو ظروفه، ذلك أن النص الدستوري واحترامه أولى بالرعاية والأعمال بدلا من التسويف والإهمال.
وهو تنظيم يلزم المشرع بضرورة التصدي لتنظيم هذه الحرية بما يمكن الأشخاص من التمتع بها وفقا لضوابط واجراءات تيسر لهم ممارستها بشكل قانوني سليم دون التعرض للمساءلة القانونية بسبب ممارستهم لها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن التنظيم بحد ذاته يمنح المشرع كذلك القدرة والاختصاص للتدخل من أجل إعمال سلطته التقديرية للموازنة اللازمة بين حرية الفرد في الصحافة من جانب، وحرية الأفراد وحقوق المجتمع ومصلحته العليا من جانب آخر، وهو ما يقتضي أن يسعى المشرع إلى بناء معايير موضوعية لسياسة المسئولية القانونية التي تترتب على إساءة استعمال هذه الحرية أو التعسف فيها سواء من الناحية المدنية أو الجنائية، وأن تكون قيوده وضوابطه وإجراءاته في تناول هذه الحرية ذات صفة علاجية عقابية تتعقب ممارسة الحرية والخروج على مقتضيات ممارستها الحقة، إعمالا للمبدأ الذي اعتنقه الدستور كما هو الأصل في كل الحريات وهو الإباحة إلا ما قيد بنص صريح، وما يستلزمه التنظيم الخاص بهذه الحرية في رأينا حسب التوجه الدستوري الكويتي أن تتسم الضوابط والإجراءات السابقة على ممارسة الحرية الصحفية بالطابع الاحترازي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(27) استخدم الدستور الأمريكي في تعديله الأول عبارة Press لتعني الصحافة دون أن يكون ذلك حائلا دون اندراج الوسائل الإعلامية الأخرى ضمن مفهوم Press باعتبارها مصطلحا تقليديا رغم أن الدستور الأمريكي قد صدر منذ 1787 أي حتى قبل تصور الذهن الإنساني وجود الوسائل الحديثة للإعلام، أنظر في التعديل الأول P. Fotheringham & J.G.Kellas مرجع سبق ذكره ص 350، وأنظر أيضا: Irving R. Kaufman مرجع سابق ذكره ص 117.
والتنظيمي الذي يحقق علم الإدارة المسبق بشخص ممارس الحرية الصحفية وبما يمكنها من اتخاذ الحيطة والحذر اللازمين عند ممارسة هذه الحرية من قبل بعض الأفراد حماية لحقوق غيرهم من الأفراد، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر منع تكرار اسم الصحيفة أو المحطة الإذاعية أو التلفزيونية، أو التداخل في موجات البث والإرسال مع غيره من الأشخاص، منع أسباب الاحتكار والسيطرة المباشرة أو غير المباشرة للوسائط الإعلامية، ايجاد ضمانات الوفاء بمستلزمات المسئولية المهنية من جهة والوفاء بحقوق الأفراد القانونية حال التعدي عليهم.
أو تحقيقا لحماية مصالح المجتمع ودفع المسئولية بأنواعها المختلفة عن الدولة ومؤسساتها سواء أكانت مسئولية قانونية أم سياسية، ومن الأمور المحققة لذلك على سبيل المثال لا الحصر الإيداع الإداري أو القضائي للصحف بما يمكن من معرفة تاريخ الإصدار للمراقبة والمتابعة الإدارية اللاحقة، أو تلبية مستلزمات توخى القرينة القانونية على علم الإدارة بها، أو مراقبة تداول الصحف الأجنبية حفاظا على قيم المجتمع الدينية والأخلاقية والاجتماعية وغيرها من الأمور الأخرى.
وفي إطار ذلك كله فإن التنظيم الدستوري لهذه الحرية حسبما قررته المادة 37 من الدستور والتي يجري نصها بما يلي " حرية الصحافة والطباعة والنشر مكفولة وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون"
يتسم بتنوعه المنظم لجميع صور الحرية الصحفية شاملا الصحافة بمفهومها الواسع الذي يمتد لكل الوسائط الإعلامية، ويتضمن الطباعة بمؤسساتها وأشخاصها، كما أنه يغطي النشر بشتى أنواعه وصوره.
ومن ثم فإن ما ورد في عجز هذه المادة من سلطة للمشرع في بيان الشروط والأوضاع اللازمة لممارسة هذه الحرية، لا يجوز له أن يتعدى في كل الأحوال الطابع الاحترازي والتنظيمي، وهذا النص وإن كان قد أدخل هذه الحرية في عداد ما يسمى بالحريات المقيدة فإن ذلك لا يعني البتة أن للمشرع أن يصادرها أو ينتقص منها أو يجزئها تحت حجة التنظيم وإلا تحول ذلك إلى إهدار لمفهوم النص الدستوري ودلالته في كفالته لهذه الحرية وتنظيمها.(28)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(28) أنظر عبدالفتاح حسن، مرجع سبق ذكره ص 118، حيث يقول " غير أن مثل هذه القيود لا يسوغ أن تجاوز حدود التنظيم إلى حد الإهدار الفعلي لهذه الحريات. فلا يجوز مثلا أن ينظم قانون الصحافة حرية الصحافة بما يسقطها فعلا. إذ أن في ذلك اعتداء على ذات المبدأ الذي حرص النص الدستوري على تأكيده". وأنظر أيضا د. محمد عبداللطيف " الحريات العامة" مرجع سبق ذكره ص 38 وما بعدها.
فالمشرع لا يملك بحجة التنظيم مصادرة هذه الحرية، ومن وجوه المصادرة لهذه الحرية حظر ممارسة أي نوع من أنواعها، أو تعمد إغفال تنظيمها بما يحول دون ممارستها، ولعل عدم سماح المشرع في الكويت بإنشاء محطات إذاعة أو تلفزة خاصة تدخل في عداد هذه المصادرة، كما أن غياب التنظيم القانوني الميسر لممارسة حق إنشاء المؤسسات الصحفية بكافة أشكالها يعد ضربا من ضروب المصادرة وهذا كله ينال من نظام الصحف وتراخيصها القائم على النظام الديمقراطي في الكويت وفقا للأسلوب العقابي في تنظيم الحريات المنطلق من مبدأ أن الأصل في الأمور الإباحة، أو كما يقال كل ما هو غير محرم فهو مباح.
كما أن انحياز المشرع إلى إخضاع نظام تراخيص الصحف إلى الموافقة المسبقة للإدارة في ممارسة هذه الحرية أو تقييدها بالقيود المسبقة المتعددة يعد صورة من أسوأ صور الانتقاص من هذه الحرية والإتيان عليها من أطرفها بحيث تصبح صورية من كثرة ما لحقها من قيود بما تغدو معه حرية بلا مضمون لا يسمن وجودها ولا يغني من جوع بالنسبة للمستفيدين من كفالتها لهم من قبل الدستور وتنظيمه لها.
كما أن المشرع لا يملك- ومن باب أولى الحكومة- تجزئة هذه الحرية بعزلها عن بقية الحريات الأخرى المرتبطة بها، فما هي جدوى حرية صحافة لا ترادفها حرية رأي حقيقية، وما هي جدوى حرية رأي ونشر لمن لا يتمكن من إبداء رأيه أو فكره في مؤسسات أو وسائط صحفية فيها كافة ضمانات نقل الرأي كـاملا دون حجب أو تقييد، فإذا غدا نظام تراخيص الصحافة متاحا فقط لممارسة جزئية لهذه الحرية مثل الصحف المتخصصة ثقافية كانت أو اجتماعية، مع منع أو وقف تراخيص الصحف السياسية أو ما شابهها بشكل جزئي أو كلي، إنما يعد تجزئة تأتي على أصل الحرية وتنال من وجودها وهو ما يتعارض مع ما قرره الدستور من كفالة وتنظيم للحريات الصحفية.
ولعله من الأهمية بمكان أن نؤكد على أن الحريات الصحافية ونظام تراخيصها كما كفله الدستور ونظمه كل لا يتجزأ فالصحافة- بمعنى المؤسسات الصحفية- بأنواعها يجب أن تتاح وتنظم، كما أن الطباعة كونها حرية رديفة بطبيعتها للحرية الصحفية لا يجوز أن ينالها التنظيم بالمصادرة أو الانتقاص أو التجزئة، وإلا كان ذلك مما ينال من حرية الصحافة بكل تأكيد. ولا يقف الأمر عند ذلك بل يتعداه إلى ضرورة أن يكون النشر متاحا في التكامل مع الحرية الصحفية دون أن تناله يد المشرع بأي تنظيم يخل بحقيقة هذه الحرية ومضمونها بما ينعكس سلبا على حرية الصحافة وأسسها الدستورية الجوهرية.(29)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(29) أنظر د. محمد عبداللطيف، مرجع سبق ذكره ص 228.
ولا يفوتنا أن نشير إلى مبدأ دستوري هام يعد جزءا من نظام تراخيص الصحف في الكويت وفقا للمنظومة الدستورية، وهذا المبدأ يستخلص من الجمع بين نصي المادتين 36، 37 من الدستور والمتعلقتين بحرية الرأي والفكر والتعبير عنهما وحرية الصحافة، ألا وهو مبدأ الحق في الإعلام (30) وهو يعني ضرورة تناول تنظيم الحريات الصحفية بما يكفل حق الأفراد والمجتمع في العلم والاطلاع على المعلومة والرأي والفكر الإنساني بصورة سليمة وموضوعية دون تشويه أو تضليل للرأي العام وبما يكفل له التفاعل مع أحداث المجتمع وبصورة عادلة.(31)
فلا محل اليوم ووفقا لما ترسخ في الضمير الإنساني المعاصر لحريات صحفية لا يجد فيها الحق في الإعلام مكانا، إذ أن ذلك يعد نقصا في هذه الحرية الهامة وهو ما دفع التوجهات التشريعية المقارنة إلى الاهتمام بهذا الجانب توسيعا لهذه الحرية وتعزيزا لمكانتها،(32) وقد ساير القضاء هذا التوجه في أحكام مختلفة.(33)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(30) أنظر في هذا المبدأ وفقا لما استقر عليه الفقه المقارن كل من:
Patrick McAuslan “ Legitimacy and The Constitution : The Dissonance between theory and Practice” P 26-27. وأنظر أيضا : John Shattuch “ Right of Privacy” 1986, P 167.
(31) أنظر في حق الإعلام د. محمد عبدالمحسن المقاطع " حماية الحياة الخاصة في مواجهة الحاسب الآلي" 1992، مطبوعات جامعة الكويت، الصفحات 162- 165.
(32)أنظر التوجهات التشريعية المقارنة د. فتحي فكري "التنظيم القانوني للصحف"مرجع سبق ذكره ص7-8.
(33) أنظر في ذلك أحكام المجلس الدستوري الفرنسي الذي يرفض إخضاع الحريات الأساسية لنظام الترخيص الإداري. أنظر ذلك لدى د. فتحي فكري، مرجع سبق ذكره ص 8.
ج- الضمانات الدستورية لحماية الحريات الصحفية وتراخيصها:
لم يأل المشرع الدستوري الكويتي جهدا في وضع الضمانات الأساسية اللازمة للحريات الصحفية والإعلامية ونظام ممارستها بعد أن اعتنى عناية واضحة بكفالتها وتناولها بالتنظيم.
وآية اعتناء الدستور بهذه الضمانات تتمثل بعدد من المبادئ الدستورية الهامة التي لا وجود لحرية صحافة بدونها ولا غنى لها عنها.
فالدستور قد اعتنق نظاما ديمقراطيا برلمانيا يقوم في جوهره على أحد أهم الركائز الدستورية للأنظمة الحديثة ألا وهو مبدأ الفصل بين السلطات وقد قرر الدستور هذا المبدأ كما تذهب المذكرة التفسيرية له في المادة 50 منه " صراحة بدلا من تقريره دلالة من واقع الأحكام الخاصة بالسلطات العامة، وذلك دفعا لكل خلاف أو جدل حول هذا المبدأ".
ولا جدال اليوم في أن قيام أي دستور باعتناق هذا المبدأ يعني ضمانة حقيقية للحقوق والحريات العامة من التسلط والاستبداد،(34) باعتبار أن تفتيت السلطة وتوزيعها بين سلطات متوازنة ومتقابلة تمنع طغيان أي سلطة أو افتئاتها على السلطات الأخرى من جهة أخرى، أو على حقوق وحريات الأفراد من جهة ثانية.(35) ولئن كانت الحريات العامة بأنواعها تجد في هذا المبدأ ضمانة هامة لها ضد تدخل السلطات والحد منها فإن الحريات الصحافية ونظام ممارستها يعتمد على هذا المبدأ بصورة جوهرية وأكثر إلحاحا، ذلكم أن هذه الحرية من أكثر الحريات حساسية من الناحية السياسية بالنسبة للسلطة التنفيذية على وجه التحديد، وما قد تقود إليه من نتائج ذات آثار سلبية عند ممارستها في تقدير هذه السلطة في بعض الدول خصوصا في عالمنا العربي بالنسبة لعلاقات الدول العربية الإسلامية ببعضها البعض، وفضلا عن ذلك فإن دائرة التقاطع بين الحريات المتقابلة للأفراد تتجسد بشكل كبير وبصورة يومية متكررة عند ممارسة هذه الحرية، الأمر الذي قد يدفع السلطة المنفردة أو المتفردة إلى ممارسة الاستبداد والطغيان الذي يقطع دابر هذه الحرية ويشل من حركتها أو ربما يستأصل وجودها، محولا إياها إلى حرية صورية بحيث تصبح بوقا للسلطة ليس إلا. ومن هنا فإن مبدأ الفصل بين السلطات يعزز من مساحة هذه الحرية ويمنع الانتقاص منها أو النيل من صورها،(36) باعتبار أن كل سلطة في مسلكها وتعاملها مع هذه الحرية لا ترغب في أن تكون موضعا للانتقاد من قبل السلطات الأخرى، أو أن تعرض أعمالها للشجب والإلغاء سواء أكان ذلك بآلية سياسية أو قضائية أو غيرها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(34) أنظر في ذلك De Smith " Constitutional and Administrative Law" 1981 P. 30-34.
(35) أنظر في ذلك ذهيبان العجمي " القيود الواردة على حق التقاضي ومدى مخالفتها لنصوص الدستور" رسالة ماجستير، مرجع سبق ذكره ص 340.
(36) أنظر في ضمانات الحريات العامة بصفة عامة ومبدأ الفصل بين السلطات كأحد أهم هذه الضمانات د. عبدالمنعم محفوظ " علاقة الفرد بالسلطة" دار الهنا للطباعة، القاهرة ص 307.
وحيث أن أكثر السلطات تقليديا عداوة للحرية باعتبار تعاملها المباشر في مواقع التقاطع مع هذه الحريات هي السلطة التنفيذية، فإن هذا المبدأ يعد سياجا وضمانة أكيدة تغل من يدها وتحد من سلطانها في مواجهة الحرية الصحفية ونظام ممارستها.
ومما أورده الدستور من ضمانات في تحقيق ممارسة كاملة لهذه الحرية أسوة بغيرها من الحريات، تبني الدستور لضمانة الحق في التقاضي وفقا للمادة 166 منه والتي تقرر" حق التقاضي مكفول للناس، ويبين القانون الإجراءات والأوضاع اللازمة لممارسة هذا الحق..".(37)
فإذا كانت هذه الحرية من الحريات المقيدة التي يجوز للمشرع أن يتناولها بالتنظيم، دون مصادرة أو انتقاص أو تجزئة، فإن الأمر الأكيد هو أن المشرع ليس منزها عن الانحراف في استخدام السلطة(38) ومن ثم فإن الحق في التقاضي يمكن كل شخص ناله ذلك التنظيم بأي مساس في ممارسة هذه الحرية أن يلجأ للقضاء مطالبا إياه بفرض حمايته تأكيدا لدوره في ضمان ممارسة الحرية،(39) وهو ذات المبدأ الذي تنسحب ضمانته أيضا في مواجهة تعديات السلطة التنفيذية على الحريات الصحفية عند ممارستها وفي أي مرحلة من مراحلها من خلال رقابة القضاء عليها سواء أكان قضاءا إداريا أو غيره.(40)
ومما يجسد حقيقة الضمانات التي عمد الدستور إلى اعتناقها حماية للحريات العامة اهتمامه بإقامة قضائين متخصصين كلاهما يعتبر ملاذا للأشخاص والأفراد في طلب الحماية لحرياتهم حال الاعتداء عليها من قبل أي من السلطتين التنفيذية أو التشريعية.(41) فإقامة الدستور لقضاء إداري بتنظيمه بشكل مفصل من أجل مخاصمة السلطة الإدارية عن قراراتها وأعمالها غير المشروعة شاملا في نطاقه ولايتي الإلغاء والتعويض وفقا لما قررته المادة 169 من الدستور يمنح الأفراد والأشخاص شعورا بقدرتهم وتمكنهم من الدفاع عن حقوقهم وحرياتهم عند النيل ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(37) أنظر في ذلك د. ابراهيم عبدالعزيز شيحا " القانون الدستوري" 1983، الإسكندرية ص 571-572 وأنظر أيضا د. عثمان عبدالملك الصالح " ضمانات حقوق الإنسان في الكويت" المجلة العربية للعلوم الإنسانية، الكويت ، العدد الثامن- المجلد الثاني خريف 1982، ص 18.
(38) المرجع السابق ص 18، وأنظر أيضا د. عبدالرزاق السنهوري " مخالفة التشريع للدستور، والانحراف في استعمال السلطة التشريعية" مجلة مجلس الدولة، مصر يناير 1952، الصفحات 74- 79.
(39) أنظر في ذلك كل من د. محمد عبداللطيف- مرجع سبق ذكره ص 66، ورمزي الشاعر، مرجع سبق ذكره ص 510-517 خصوصا الصفحة 517.
(40) أنظر في دور القضاء الإداري في حماية الأفراد د. محمود عاطف البنا " الوسيط في القضاء الإداري" القاهرة ص 45 وأيضا الصفحات 89 وما بعدها.
(41) أنظر ذهيبان العجمي، رسالة ماجستير، مرجع سبق ذكره ص 79 وما بعدها .
منها أو الاعتداء عليها من قبل الحكومة تحت أي مسمى وبأي صورة من الصور،(42) وهذا الأمر يشكل ضمانة أكثر لزوما للحريات الصحافية التي تتداخل فيها العديد من الاعتبارات والحقوق المتقابلة، والتي كثيرا ما يتم الاعتداء عليها أو تقييدها ترجيحا لبعض الاعتبارات والحقوق عليها، منها ما هو محقق لمصلحة الدولة أو المصلحة العليا، ومنها ما هو متصل بحقوق الأفراد الآخرين، وعليه فإن القضاء هو السلطة الوحيدة التي يمكن أن تقوم بوزن هذه الاعتبارات وإعادة الوضع إلى نصابه الصحيح بعيدا عن الانحياز أو تجاهلا لقيمة الحرية واعتبارات العدالة.
وقد شيد الدستور الكويتي في المادة 173 منه قضاء دستوريا يملك بسط رقابته الموضوعية في الموازنة بين الحريات ومراعاة كل الاعتبارات حال انحراف أي من السلطتين التشريعية أو التنفيذية عن حدود اختصاصهما وانحرافهما في ممارسة سلطتيهما، وهما بصدد تنظيم الحريات الصحافية وأسلوب ممارستها، أو التعقيب عليها أو تقييدها لأي سبب وتحت أية حجة.
ومن هنا نجد أن الدستور الكويتي قد وضع الضمانات اللازمة لحماية الصحافة واسلوب ممارستها، ولم يكتف بكفالتها أو تنظيمها من حيث المبدأ.
وعليه وخلاصة لموضوع التنظيم الدستوري الكويتي للحرية الصحفية ونظام ممارستها، يمكن أن نقرر بأنه تنظيما دستوري شامل لجميع أنواع الحريات الصحافية بصورها التقليدية والحديثة، وقد جاء مقررا ابتداء هذه الحريات وكافل لها بنصوصه الصريحة، ثم نظم أصلها وصورها ودور المشرع بالنسبة لها بما لا يجوز له أن يتجاوزها، وأخيرا وضع الضمانات والأسس اللازمة لحمايتها في حال الاعتداء عليها تقييدا أو انتقاصا أو تجزئة أو مصادرة، وهو تنظيم قد انحاز للأسلوب العلاجي أو ما يسمى بالعقابي في تنظيم الحريات أي أنه لم يوقف ممارسة الحرية على موافقة مسبقة من قبل السلطة الإدارية باعتبار أن المبدأ الراسخ هنا هو أن الأصل في الأمور الإباحة إلا ما قيد بنص صريح، وآية ذلك ما تبناه من حريات فكرية أخرى تسيير بنفس الاتجاه من جهة، وما قرر من دور واسع للسلطتين التشريعية والقضائية في تنظيم الحريات العامة بشكل عام والحريات الصحافية وأسلوب ممارستها بشكل خاص من جهة أخرى، عامدا إلى غل يد السلطة التنفيذية بصورة جلية ومؤكدة وهو ما يضع هذه الحرية في مصاف الحقوق الدستورية الأساسية شأنها في ذلك شأن وضع هذه الحرية في الدول المتقدمة والديمقراطية كما يزودنا بذلك القانون المقارن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(42) أنظر د. داود سليمان العيسى " القضاء الإداري في الكويت " مذكرات على الآلة الكاتبة 1995، ص 214.
المطلب الثاني
التنظيم التشريعي للصحف في الكويت
لقد سبقت الصحف في الكويت في وجودها أي تنظيم قانوني تخضع له أو تتقيد به، فقد كانت نشأة الصحف في الكويت مبكرة من الناحية التاريخية حيث صدرت أول صحيفة عام 1928، وهي نشأة اتسمت بأنها حرة بعيدة عن أي شكل من أشكال التنظيم القانوني.
وقد تأخر تدخل المشرع في تناوله لتنظيم الصحف ونظام تراخيصها حتى عام 1956 حيث صدر في هذا التاريخ أول تشريع عرفته الكويت ينظم الصحافة، وقد كان اسمه " قانون المطبوعات والنشر" وقد كانت أداة إصداره هي الأمر الأميري- أي بإرادة الأمير المتفردة- وقد نشر هذا القانون في 23 يونيو 1956.(43)
وقد نحي هذا القانون منحى التنظيم القانوني الهادف إلى تأكيد حرية الصحافة هادفا حمايتها وأبعادها عن تعسف الإدارة، وهي سمة إيجابية لابد من أن تتم الإشادة بها، وقد أورد القانون مقدمة فريدة لا تتضمنها القوانين أبرز فيها فلسفة وضع هذا القانون واعتبر أن اهتمام الدولة بتنظيم الصحافة ورعايتها بالنصوص القانونية أحد ملامح تطور الدولة وتفاعلها مع معطيات الفكر وأسباب تنويره،(44) ونظرا لأهمية وتميز هذه المقدمة نوردها كاملة (45) بما يحقق إحدى غايات هذا البحث النقدي والتحليلي لنظام تراخيص الصحف في الكويت من جهة، وبما يوثق مرحلة هامة من مرحل تطور الفكر القانوني في الدولة لم يتم تناولها من قبل من باحث أخر، ونص المقدمة يقرر:
" بلغت الكويت في السنوات الأخيرة مكانة فكرية ملحوظة وتعددت أوجه النشاط فيها وتميزت بنهضة علمية وأدبية واقتصادية وسياسية أحسها جميع المواطنين وراعت الأجانب فيها وتهيأ أفراد من نخبة شبابها إلى اصطناع القلم ومسايرة هذه النهضة الشاملة بإصدار مجلات تعالج شئون السياسة والاقتصاد وسائر النواحي الثقافية، وبارك المسئولون هذا النشاط ورحبوا به.
ولما كانت جميع الدول المتحضرة تقدر مكانة الصحافة ورسالتها في حياة الأمم والشعوب فإنها عالجت أمرها بقوانين تنظم شئونها وترفع مستواها وتحميها من الدخلاء وغير القادرين وترتب صلاتها بالحكومة على نحو يذود عنها التعسف ويبين لها امتيازاتها والتزاماتها حتى تساير الزمن وتبلغ مدارج النضج والاستواء.
________________________________________________
(43) أنظر الكويت اليوم العدد 78 ، السنة الثانية، 23 يونيو 1956.
(44) أنظر المقدمة المذكورة ، في المرجع السابق ص1
(45) أنظر في التطور التاريخي للصحف د. محمد حسن عبدالله "صحافة الكويت" 1985، مرجع سبق ذكره ص 15، والصفحات 193 وما بعدها.
وقد رأت حكومة الكويت أن تنهج هذا النهج القويم فوضعت لأول مرة في تاريخ البلاد قانونا للمطبوعات والنشر ينظم العلاقة بينها وبين أصحاب المطابع والصحف وسائر العاملين في هذا الميدان الرفيع حتى يتمكن الحاكم والمحكوم من مسايرة الزمن وعلاج المسائل العامة في أعطاف القانون ورعاية أصوله وبذلك تستفيد الحكومة مما يوجهه إليها أصحاب الأقلام من آراء وأفكار ومما ينشرونه من النقد النزيه وتعالج النقص فيستقيم الأمر في وضح النهار.
وقد رسمت بهذا القانون أيضا الحدود التي يجب أن يلتزمها من احترفوا الصحافة واصطنعوا القلم وبينت لهم القواعد التي يجب أن يؤدوا رسالتهم في إطارها حتى لا تصبح صناعة القلم فوضى تهز أركان المجتمع أو تباح رسالة الصحافة لمن لا يجيد السمو بها أو يختلط عليه فيراها وسيلة لتشويش الأذهان وتكدير السلم العام.
وعلى ضوء المصلحة العامة التي كرس الجميع أنفسهم لها وسعيا لخير الكويت ومستقبلها ونشاطها المرجو في كل ميدان حققت الحكومة واجبا عليها بإصدار هذا القانون لتنظيم الأمر على النحو الذي يقي البلاد شر الفوضى ويسمح لأصحاب الأقلام بأداء رسالتهم في اطمئنان وحرية."
ويتكون القانون الصادر في عام 1956 من 35 مادة تضمنت ستة أجزاء تمثلت بتعريفات، ثم بأحكام متعلقة بالطابع والمطبوع، تلتها الأحكام الخاصة بالجرائد، ثم المواد الممنوع نشرها، بعد ذلك عقوبات النشر، واختتمت بالأحكام العامة.
والأمر الجدير بالملاحظة في شأن هذه القانون أنه لم يكن خاصا بالصحف فقط، كما أنه اتسم بالغموض،(46) فضلا عن الإيجاز، كما أنه قد انحاز إلى فكرة الترخيص البسيط أو المقيد أي الترخيص الذي لا تملك الإدارة سلطة تقديرية في رفضه متى توافرت شروط منحه.
ولم يدم عمر هذا القانون طويلا إذ صدر بعده بسنوات محدودة وبالتحديد في عام 1961 قانون المطبوعات والنشر الحالي والمعمول به منذ ذلك الوقت وهو تشريع اتسم بتنظيمه الشامل للمؤسسات الإعلامية والصحافة على وجه التحديد بما يشكل تطورا تشريعيا هاما، إلا أنه في الوقت ذاته قد سجل تراجعا كبيرا في منهج تنظيم الحرية الصحافية إذ أنه انحاز للمنهج الوقائي، فقد رهن ممارسة الحرية الصحفية بالموافقة المسبقة للسلطة الإدارية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(46) أنظر د. محمد حسن عبدالله ، مرجع سبق ذكره ص 15، ص 193.
وقد كان هذا القانون سابقا في وجوده على الدستور الحالي الصادر في 11/11/1962 بما مؤداه أن الدستور يعتبر تشريعا لاحقا ومتطورا عنه في موقفه من الحرية الصحافية وقد شهد القانون رقم 3 لسنة 1961 تعديلات عديدة كرست فكرة التشدد في الترخيص، والمبالغة في القيود المفروضة على حرية الصحافة، كما دخلت عليه تعديلات أبرزت حجم التجاذب بين السلطة وهذه الحرية بما يؤكد حساسية دائرة تقاطع المصالح المتضادة في هذه الحرية وتنظيمها وأسلوب ممارستها. كما صدر في عام 1981 قانون تنظيم الدائرة الإدارية في الكويت ليعبر عن مرحلة جديدة من الاهتمام التشريعي بصرف النظر عن ايجابيته أو سلبيته.
وفي ضوء ذلك فإننا نتناول هذا المطلب دراسة التنظيم القانوني للصحف في الكويت من خلال ما يلي:
أ- تنظيم تراخيص الصحف في ظل تشريع عام 1956.
ب- تنظيم تراخيص الصحف في ظل القانون رقم 3 لسنة 1961.
ج- تشريعات الصحف بين دائرتي السلطة والحرية.
د- قانون الدائرة الإدارية وتأثيره على نظام تراخيص الصحف.
أ- تنظيم تراخيص الصحف في ظل تشريع عام 1956
على الرغم من أن القانون الأول الذي تولى تنظيم الصحافة وغيرها من المطبوعات والصادر في 23 يونيو 1956، قد تم إلغاؤه بعد سنوات قليلة من العمل به وذلك إثر صدور قانون المطبوعات والنشر الحالي رقم 3 لسنة 1961 وذلك في 26يناير 1961، إلا أن دراسته في نطاق بحث يتناول التنظيم القانوني لتراخيص الصحف بالنقد والتحليل أمر لا جدال في أهميته، إذ أن هذا التشريع على وجه الخصوص يكشف طبيعة التوجهات التشريعية التي حملها المشرع الكويتي في شأن تعامله مع حرية الصحافة ونظام تراخيصها وهو يعلم بأنه ينتقل بصحافة حرة في نشأتها إلى التنظيم القانوني لأول مرة.
وعليه فإننا سنورد ملاحظاتنا على القانون مع تناول أسلوب تعامله مع حرية الصحافة وتنظيمه لتراخيصها.
1) ولعل أول الملاحظات الجديرة بالاهتمام في شأن القانون الصادر عام 1956، في تعامله مع حرية الصحافة ونظام تراخيصها، هو حرصه الواضح والصريح في المقدمة التي أوردها هذا القانون والذي أكد فيها على مسألتين هامتين، أولهما اعترافه بالنشأة الحرة للصحافة بعيدا عن التنظيم القانوني المسبق، وقبوله بهذا الواقع وضماناته مع تسليمه بأن تنوعها لتعالج شئون السياسة والاقتصاد والثقافة إنما يمثل نهضة فكرية تستحق الرعاية والمباركة من قبل الدولة، ومما أوردته تلك المقدمة في هذا الشأن ما يلي" وتهيأ أفردا من نخبة شبابها إلى اصطناع القلم ومسايرة هذه النهضة الشاملة بإصدار مجلات تعالج شئون السياسة والاقتصاد وسائر النواحي الثقافية، وبارك المسئولون هذا النشاط ورحبوا به".(47)
وهو اعتراف يحمل في ثناياه إقرار الصحافة على الحرية الفعلية التي اكتسبتها منذ ميلادها عام 1928 وحتى يوم تناول المشرع لها بالتنظيم عام 1956، بما يمتنع معه من أن يكون دور المشرع مصادرة هذه الحرية أو الانتقاص منها أو حتى إخضاعها لإذنه أو إذن الإدارة المسبق.
أما ثانيهما فيتمثل فيما اعتبرته هذه المقدمة من أن هدف المشرع من إصداره هذا القانون هو تنظيم الصحافة ورفع مستواها وترتيب طبيعة علاقتها بالسلطة بما يمنع السلطة من التعسف في مواجهتها، بل هو تنظيم يسعى لابراز امتيازاتها والتزاماتها دون تعويق لها عن أداء رسالتها، بما يمكنها من مسايرة الزمن حتى تصل إلى أعلى مستويات الرقي والتقدم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(47) أنظر مقدمة القانون، في الجريدة الرسمية ، الكويت اليوم العدد (78) السنة الثانية، الصادرة في 23 يونيو 1956، ص1.
وتقرر تلك المقدمة في هذا الخصوص ما يلي " ولما كانت جميع الدول المتحضرة تقدر مكانة الصحافة ورسالتها في حياة الأمم والشعوب فإنها عالجت أمرها بقوانين تنظم شئونها وترفع مستواها وتحميها من الدخلاء، وغير القادرين وترتب صلاتها بالحكومة على نحو يذود عنها التعسف ويبين لها امتيازاتها حتى تساير الزمن وتبلغ مدارج النضج والاستواء. وقد رأت حكومة الكويت أن تنتهج هذا النهج القويم.(48)
2) أما الملاحظة الثانية الخاصة بهذا القانون فهي أنه قد جاء متضمنا 35 مادة قسمت إلى ستة أجزاء رئيسية، تناول قسمها الأول التعريفات الخاصة بالموضوعات التي قام بتنظيمها مثل الطابع –المطبوع- والجريدة، والتداول، والناشر، أما القسم الثاني منه فقد أفرده المشرع لتناول الأحكام المتعلقة بكل من الطابع والمطبوع شاملا منهج تنظيمها وما يقع عليهما من التزامات وحدود حريتهما في ممارسة هذه الحرية. أما القسم الثالث منه فإنه تصدى لنظام إصدار الجرائد والشروط الواجب توافرها فيمن يرخص له بذلك. والاستثناءات الواردة على ذلك، وامكانية التنازل عن الترخيص والقواعد التي تحكمه والقيود الأخرى المتعلقة بالجوانب الشكلية عند الإصدار فضلا عن أحوال إلغاء ترخيص الصحيفة، وشمل ذلك أيضا جواز الترخيص لغير المواطن في الحصول على ترخيص الصحيفة، وسنتناول هذا الموضوع لاحقا بشيء من التفصيل. أما القسم الرابع فأفرده لبيان الموضوعات التي يحظر القانون نشرها إما حماية لمصالح الأفراد الآخرين، أو حماية للمصلحة العامة ، وبعد ذلك ألحقه بالقسم الخاص بالعقوبات التي يتم توقيعها في حالة وقوع ما يعتبر جريمة صحافة سواء من قبل رئيس تحرير الجريدة أو كاتب المقال ، كما ابرز المسئولية المدنية المترتبة على الأضرار التي تلحق الأفراد. وأخيرا فقد جاء القسم السادس متضمنا أحكاما عامة.
3) ولعله من نافلة القول أن نقرر هنا بأن هذا القانون حينما تناول تنظيم تراخيص الصحف في الكويت فإنه قد مال إلى ترجيح النظام العقابي على حساب النظام الوقائي وأسلوب ممارسة هذه الحرية الهامة، ولعل هذا المنهج يمكن رصده في جانبين أولهما أن القانون قد جعل ممارسة حرية الطباعة وفقا لنص المادة 2 منه مرتبطا بشكل مباشر بالمنهج العقابي حينما ربطها بفكرة الإخطار دون الترخيص، وفي هذا الشأن فإن حكم المادة 2 يقرر " يجب أن يخطر كل طابع دائرة المطبوعات والنشر كتابة بإنشاء مطبعته قبل مزاولة أي عمل فيها..".
كما سايرت المنهج ذاته المادة 3 من هذا القانون حينما جعلت ممارسة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(48) أنظر المقدمة التي سبقت الإشارة إليها.
الطابع لهذه الحرية مقرونة بإخطاره المسبق فقط حيث يجري نصها بما يلي" يجب على كل طابع قبل أن يتولى طبع أي مطبوع دوري أن يقدم إخطارا مكتوبا بذلك لدائرة المطبوعات والنشر".
وهو أيضا المنهج ذاته الذي تبناه هذا القانون في شأن نظام إصدار الصحف إذ أنه لم يورد في الأحكام الخاصة بإصدار الجرائد وهي المواد 9 إلى 18 أي نص بضرورة الترخيص الصريح من الإدارة في إصدار الصحف، حيث اشترط في المادة 1 منه أن يقدم طلب إصدار الجريدة إلى دائرة المطبوعات والنشر مشتملا على عدد من العناصر، ثم جاءت المادة 11 منه لتقرر بأنه " عند الترخيص بإصدار الجريدة يودع صاحبها أحد المصارف باسم دائرة المطبوعات والنشر تأمينا مقداره"
ويفهم من هذين النصين أن المشرع جنح إلى إخضاع الصحافة إلى فكرة الترخيص البسيط أي ذلك الترخيص الذي لا تملك الإدارة سلطة تقديرية واسعة فيه بالقبول أو الرفض، وإنما تملك الإدارة سلطة مقيدة تمنحها القدرة على أن تتأكد من توافر الشروط القانونية اللازمة لمنح الترخيص، فإذا كانت كذلك فإنها تجيب الطالب إلى طلبه فيمنح الترخيص دون أن يكون لها سلطة في رفض ذلك. ومما يعزز هذا الأمر حجتان إضافيتان، تتمثل الحجة الأولى بأن مقدمة القانون وظروف وضعه على نحو ما أوضحناه سابقا تؤكد أن هذا القانون إنما جاء مؤكدا النشأة الحرة للصحافة بعيدا عن الترخيص المسبق من الإدارة، وهو هدف كما أوضحت مقدمته عمد القانون بموجبه إلى تنظيمها دون منعها أو حجبها، ومن ثم فإن تبنيه لفكرة الترخيص البسيط يتوافق مع هذا التوجه. أما الحجة الأخرى فنستخلصها من خلو أحكام القانون من أي معالجة للرفض وكيفية مواجهته، بل آن القانون يجنح بشكل واضح إلى أن الموافقة عند توافر الشروط هو ما هدف وسعى إليه بدليل أنه قرر في المادة 12 منه استثناء الجرائد التي تصدرها الدوائر الحكومية، والجرائد المدرسية من الخضوع لفكرة الترخيص بشكل مطلق ولم يخضعها لأحكام هذا القانون، إذ تقرر هذه المادة " لا تسري أحكام هذا القانون على الجرائد التي تصدرها دوائر الحكومة الرسمية ولا على الجرائد المدرسية التي تصدرها المدارس والمعاهد العلمية والفنية".
بل أن القانون تناول أحكام التنازل عن الجريدة أو مستغلها، دون استخدام لفظ الترخيص مع وقف سريان ذلك التنازل على موافقة دائرة المطبوعات والنشر، وهذا المنهج أيضا سايرته وأكدته المادة 15 من القانون والتي تبنت الإيداع الإداري اللاحق على صدور الجريدة بعيدا عن فكرة الرقابة المسبقة.(49)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(49) يجري نص المادة 15 بما يلي " يجب أن يذكر اسم الجريدة وطابعها وناشرها ورئيس تحريرها في كل عدد يصدر منها، وترسل ثلاث نسخ لدائرة المطبوعات والنشر عقب صدور كل عدد مباشرة".
بل أن ما يكشف عن هذه الحقيقة ويؤكدها بصورة جلية هو أن القانون في المادة 18 منه أجاز للحكومة أن تسمح لغير الكويتيين بإصدار الجرائد بترخيص من دائرة المطبوعات والنشر بشرط توافر الشروط الواردة بالقانون عليهم، وقد حظر على غير الكويتي فقط إصدار الجريدة السياسية سواء لجماعة في الكويت أو خارجها، وهو نص يبرز الانحياز الواضح لمنهج النظام العقابي في إصدار الصحف بما يعزز فكرة الترخيص البسيط الذي اعتنقه هذا القانون للصحف في الكويت.(50)
وثانيهما أن تنظيم المشرع لنظام تراخيص الصحف في الكويت وفقا لهذا القانون قد قرر فقط استيفاء الشروط والبيانات المقررة في المادتين 10 و 11 من هذا القانون، إذ أن المادة 10 قد أوردت الشروط الواجب توافرها فيمن يقدم طلب إصدار جريدة ، وقد تعمدت المادة عدم استخدام لفظ ترخيص إصدار جريدة، وتتمثل هذه الشروط بضوابط تنظيمية واحترازية تهدف إلى التأكد من توافر بيانات معينة أو ضوابط لتمكين الإدارة من المتابعة والتعقيب المستقبلي من جهة،(51) أو ضمان حقوق الأفراد الآخرين حال توافر أسباب المسئولية القانونية على الجريدة، ويجري نص المادة 10 بما يلي: " يقدم طلب إصدار الجريدة إلى دائرة المطبوعات والنشر على آن يشمل الطلب ما يأتي:
1- اسم صاحب الجريدة ولقبه وشهرته وسنه ومحل إقامته ومهنته وجنسيته.
2- اسم رئيس التحرير ولقبه وشهرته وسنه ومحل إقامته ومهنته وجنسيته.
ويجب أن يرفق بالطلب كتاب يتضمن قبوله أن يكون رئيسا للتحرير. ويجوز أن يكن صاحب الجريدة أو مستغلها هو في الوقت نفسه رئيس تحريرها وفي هذه الحالة يجب أن تتوافر فيه جميع الشروط الواردة في المادة التاسعة.
3- اسم الجريدة واللغة التي تصدر بها.
4- عنوان ادارتها ومطبعتها.
5- ما إذا كانت سياسية أو غير سياسية.
6- إذا كانت الجريدة تستغلها شركة أو جمعية أو هيئة أو ناد وجب بيان ذلك في الطلب مع ذكر اسم ممثلها ومحل اقامته وجنسيته.
وعلى مقدم الطلب أن يرفق بطلبه جميع المستندات المؤيدة له مصدقا عليها من دائرة رسمية.
أما المادة 11 فإنها أوجبت وضع تأمين مالي أو شخصي لمصدر الجريدة بعد الترخيص له، عند توافر الشروط المقررة في المادة العاشرة التي سبقت الإشارة إليها، وتنص المادة 11 من القانون على ما يلي:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(50) تنص المادة 18 على أنه " للحكومة أن تسمح لغير الكويتيين بإصدار الجرائد بترخيص من دائرة المطبوعات والنشر على أن تنطبق عليهم الشروط الواردة في هذا القانون، ومحظور الترخيص لغير الكويتي إذا جعل جريدته لسان حال جماعة سياسية في الكويت أو خارجها".
(51)أنظر حسين قايد "حرية الصحافة" مرجع سبق ذكره، ص144، حيث يبين الفرق بين الإخطار والترخيص.
" عند الترخيص بإصدار الجريدة يودع صاحبها أحد المصارف باسم دائرة المطبوعات والنشر تأمينا مقداره:
1- ألف روبية إذا كانت الجريدة تصدر مرة في الشهر على الأكثر.
2- الفا روبية اذا كانت الجريدة تصدر مرتين في الشهر على الأكثر.
3- ثلاثة آلاف روبية اذا كانت الجريدة تصدر اربع مرات في الشهر على الأكثر.
4- أربعة آلاف روبية اذا كانت الجريدة تصدر اكثر من مرة في الأسبوع ويجوز أن يستعاض عن التأمين المالي المذكور بضمان مصرفي أو ضمان شخصي تقبله دائرة المطبوعات والنشر.
واذا نقص التأمين بسبب وفاء الغرامات أو المصروفات التي قد يحكم بها على المستغل أو رئيس التحرير أو الطابع الخ.. وجب إكماله خلال خمسة أيام من تاريخ إشعاره واذا اصبح الضامن الشخصي غير مقتدر وجب أن يستبدل به ضامن آخر."
وهكذا نرى أن نظام تراخيص الصحف في الكويت وفقا للقانون الصادر في عام 1956 قد جاء مرجحا للنظام العقابي، وميالا لفكرة الترخيص البسيط الذي لا تتمتع السلطة الإدارية في شأنه سوى بالسلطة التقديرية المقيدة جانحا لاعتبار الإدارة ملزمة بمنح الترخيص بتوافر شروطه، متساهلا في تلك الشروط وقاصرا إياها على ما يعتبر في عداد الضوابط الإجرائية والتنظيمية والاحترازية لضمان سلطة الإدارة في المتابعة والتعقيب(52) وميسرا للأفراد قرائن ووسائل حماية حقوقهم وملاحقة المتسبب لهم بالضرر حال التعسف في استعمال حرية الصحافة أو الرأي أو النشر. وهو تشريع تجاوب مع المعطيات والظروف التي استوجبته خصوصا النشأة الحرة الأولى للصحافة على نحو ما بيناه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(52) أنظر في ذلكDr. Badran " Kuwait pre- Independence press " 1928 - 1961 مرجع سبق ذكره ص 297.
ب- نظام تراخيص الصحف في ظل القانون رقم 3 لسنة 1961
في بداية عام 1961 وبالتحديد بتاريخ 26 يناير صدر القانون رقم 3 لسنة 1961 بإصدار قانون المطبوعات والنشر.(53) لتبدأ بصدوره حقبة جديدة من التنظيم القانوني لتراخيص الصحف في الكويت، وهو قانون يعبر عن تطور تشريعي مهم في هذه المرحلة التاريخية، وقد قرر هذا القانون إلغاء العمل بالقانون الصادر عام 1956،(54) لكي يخضع بذلك تنظيم تراخيص الصحف لاحكامه فقط دون أي قانون آخر.
ويتكون قانون المطبوعات رقم 3 لسنة 1961، وهو القانون النافذ حتى اليوم من 45 مادة، تضمها أربعة أبواب مختلفة، سبقت بمادة استهلالية تحمل المادة رقم1 أكد فيها القانون على حرية الطباعة والكتابة والنشر وكفالته لها، ولكن في حدود أحكام القانون ذاته.(55) وهو توجه يكشف وبشكل مباشر عن المنهج الذي تبناه المشرع في اعتباره هذه الحرية من الحريات المقيدة التي يتولى المشرع تنظيمها. أما الأبواب الأربعة الأخرى فقد عالج أولها إصدار المطبوعات وإجراءاته والعقوبات التي يتم تطبيقها عند مخالفة هذه الأحكام، أما الباب الثاني فإنه تناول إصدار الجرائد، معرفا إياها ومحددا ضرورة وجود رئيس تحرير مسئول عما ينشر فيها، وقد بين شروط الترخيص للصحيفة وإجراءاته والقاعدة العامة في شأنه ألا وهي ضرورة الحصول عل الترخيص الصريح به، ثم إجراءات الترخيص أو التظلم منه بعد رفضه، وأحوال وإجراءات التنازل عنه، أمام الباب الثالث فإنه حدد المسائل التي يحظر نشرها سواء ما تعلق منها بالمصلحة العامة أو مصلحة الأفراد وأخيرا فقد تناول الباب الرابع أحكاما ختامية، وهو باب عالج متفرقات وقواعد عامة هامة في تسع مواد كاملة.(56) وقد جاءت صياغاته محبكة بقدر كبير ومقسم تقسيما تشريعيا منطقيا، واتسمت مواده بوحدة النص المتكامل.
ويجدر أن يسجل لهذا القانون فضل التنظيم الشامل للحرية الصحفية، في جميع أشكالها وصورها، وتناول أسلوب ممارستها ودور السلطة الإدارية في الترخيص لها، وهو تشريع متكامل ومقبول إذا ما عرفنا بأنه صدر قبل استقلال الكويت ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(53) أنظر الكويت اليوم، العدد 312 السنة السابعة الصفحات 2-8.
(54) نص المادة 44 من القانون رقم 3 لسنة 1961 على " يلغى قانون المطبوعات والنشر الصادر في سنة 1375 هجرية الموافقة لسنة 1956 ميلادية".
(55) يجري نص المادة الأولى بما يلي " حرية الطباعة والكتابة والنشر مكفولة في حدود هذا القانون"
(56) أنظر د. محمد حسن عبدالله " صحافة الكويت" 1985، مرجع سبق ذكره الصفحات 219-226.
بخمسة شهور حيث أن الكويت استقلت الحماية عن البريطانية في 19 يونيو 1961، وهو قانون سبق وضع الدستور الحالي بما يقارب السنتين حيث صدر الدستور الحالي للكويت في 11/11/1962.(57)
وعلى الرغم مما يذكر لهذا التشريع من ميزة في تنظيمه لهذه الحرية بشكل متكامل، إلا أنه سجل تراجعا بارزا في منهجه من حيث أسلوب ممارسة حرية الصحافة، حيث أنه قد انحاز بشكل رئيسي للأسلوب الوقائي في تنظيم هذه الحرية، حيث أنه اشترط موافقة الإدارة المسبقة والصريحة قبل ممارسة هذه الحرية،(58) وهو بذلك قد سلك مسلك التشريعات الخليجية الأخرى في تطلب الترخيص لإصدار الصحف.(59) وهو بذلك المنهج يكون قد أغفل النشأة الحرة للصحافة في الكويت والتي استمرت كذلك منذ عام 1928 وحتى عام 1956، فضلا عن تبنيه لمنهج مغاير عن ذاك الذي اختاره أول تشريع لتنظيم الصحافة في الكويت والصادر في عام 1956 والذي اعتنق المنهج العقابي بشكل أبرز، وأخذه بفكرة الترخيص البسيط بالنسبة للصحف حيث جعل سلطة الإدارة مقيدة بالتحقق من شروط الترخيص، بما يجعله في منهجه من حيث أسلوب ممارسة هذه الحرية اقرب للنظام العقابي منه للنظام الوقائي.
وحتى نتمكن من الوقوف بدقة على نظام تراخيص الصحف في الكويت وفقا للقانون رقم 3 لسنة 1961، فإنه لابد من أن نتناول دراسته بشيء من التفصيل المطلوب.
وبادئ ذي بدء لابد من أن نشير ونحن في بداية تناول نظام تراخيص الصحف في الكويت إلى أن القانون رقم 3 لسنة 1961 قد غاير في منهجه في شأن الحريات الإعلامية وأسلوب ممارستها ما بين حرية الطباعة والطابع والتي اعتنق في شأنها الأسلوب العقابي مكتفيا بالإخطار المسبق للإدارة قبل إنشاء المطبعة أو ممارسة أي نشاط للطباعة فيها وفقا لما ورد في أحكام الباب الأول منه والذي أبرزته على وجه الخصوص المادتان الثانية والثالثة منه.(60) في حين أنه اعتنق في شأن الحريات الصحافية جميعها بمعنى جميع الوسائط الإعلامية الأسلوب الوقائي المتوقف على الترخيص الصريح المسبق من قبل الإدارة، وفي هذا الشأن تقرر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(57) أنظر في طبيعة وضع الكويت قبل الاستقلال د. عثمان عبدالملك الصالح " النظام الدستوري والمؤسسات السياسية" مرجع سبق ذكره ص 151.
(58) أنظر في نقد إخضاع ممارسة الحرية لموافقة الإدارة المسبقة د. محمد الفيلي " تشريعات إعلامية" مذكرات مطبوعة على الحاسب الآلي" 1996، ص 13.
(59) أنظر في ذلك د. فتحي فكري " التنظيم القانوني للصحف" مرجع سبق ذكره ص 62 وعلى الأخص هامش(1).
(60) تقرر المادة (2) من القانون رقم 3 لسنة 1961 ما يلي " على كل طابع أن يخطر كتابة دائرة المطبوعات والنشر بإنشاء مطبعته قبل أن يزاول أي عمل فيها. ويشتمل الإخطار على اسم الطابع ولقبه وجنسيته ومحل إقامته ومقر المطبعة واسمها" أما نص المادة 3 فيجري حكمه كما يلي " إذا عطل الطابع مطبعته، أو غير مقرها أو اسمها، أو باعها، أو تنازل عنها لأي شخص أو هيئة، وجب عليه أن يخطر كتابة دائرة المطبوعات والنشر خلال ثمانية أيام".
المادة 13 منه " لا يجوز إصدار جريدة إلا بعد الترخيص في إصدارها من رئيس دائرة المطبوعات والنشر…"(61)
وحيث أن تعريف الجريدة يشمل كل صحيفة أو مجلة أو أي مطبوع آخر يصدر بصفة دورية فإن هذا التعريف حسب ما قررته المادة 9 من القانون المذكور يشمل الصحف وغيرها من المطبوعات.(62) ومما يعزز سريان هذا النص على جميع الوسائل الإعلامية الأخرى ما قررته المادة 42 من هذا القانون ضمن باب أحكامه العامة، حيث تقرر ما يلي " جميع الالتزامات التي نص عليها هذا القانون في شأن صاحب الجريدة أو مستغلها ورئيس تحريرها وطابعها وناشرها تسري في حق كل مسؤول عن أي مطبوع سواء كان كتابا أو رسالة أو رسوما أو صورا أو منشورات أو ملصقات أو غير ذلك من وسائل تداول المطبوع".
أما عن إجراءات وكيفية إصدار الصحف في الكويت وترخيصها فإنها حسب ما أوردته المواد 9-22 من الباب الثاني لهذا القانون تمر بثلاث مراحل أساسية، تتسم وبشكل واضح بسمة التشدد (63)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(61) تم تغيير اسم رئيس دائرة المطبوعات إلى وزير الإعلام بحكم مرسوم تحديد اختصاصات وزارة الإعلام .
(62) تنص المادة 9 من القانون رقم 3 لسنة 1961، على أنه " يقصد بالجريدة أي صحيفة أو مجلة أو أي مطبوع آخر يصدر بصفة دورية، في مواعيد منتظمة أو غير منتظمة".
(63) أنظر د. فتحي فكري، مرجع سبق ذكره الصفحات 84-99 حيث ينتقد هذا التوجه المتشدد.
المرحلة الأولى: تقديم طلب ترخيص إصدار الجريدة مع توافر عدد من الشروط
تتمثل المرحلة الأولى في نظام تراخيص الصحف في الكويت في طلب يقدم من قبل طالب إصدار الجريدة لدائرة المطبوعات والنشر،(64) ويجب أن يشتمل الطلب حسبما قررته المادة 14 من القانون رقم 3 لسنة 1961 على ما يلي:
1- اسم صاحب الجريدة ولقبه وشهرته وسنه ومحل إقامته ومهنته وجنسيته.
2- اسم رئيس التحرير ولقبه وشهرته ومحل إقامته ومهنته وجنسيته. ويرفق بالطلب كتاب يتضمن قبوله في أن يكون رئيسا للتحرير.
3- اسم الجريدة واللغة التي تصدر بها ومواعيد إصدارها.
4- عنوان إدارة الجريدة وعنوان مطبعتها.
5- بيان ما اذا كانت الجريدة سياسية أو غير سياسية.
6- اذا كان مقدم الطلب شركة أو جمعية أو هيئة أو ناد، يجب ذكر ذلك في الطلب، مع ذكر اسم ممثل هذه الهيئة ومحل إقامته وجنسيته.
7- ويجب أن يرفق مع الطلب جميع المستندات المؤيدة له مصدقا عليها من دائرة رسمية.
8- ومما اشترط في صاحب الجريدة ورئيس تحريرها أن يكون كويتيا ويقيم في الكويت وأن لا تقل سنه عن خمسة وعشرين سنة.(65)
9- كما يشترط فيه أن يكون كامل الأهلية حسن السيرة ومحمود السمعة لم يصدر ضده حكم مخل بالشرف.
وباستعراض ما ورد في الشروط اللازمة لتقديم الطلب والبيانات الواجب استيفاؤها نرى طبيعة التقييد الذي وضعه هذا القانون على حرية إصدار الصحف في الكويت خصوصا وأن القانون اشترط أن يكون مالك الجريدة كويتي الجنسية، وهو شرط لم يتطلبه القانون الصادر عام 1956 كما سبق وأن أوضحناه.(66) ولو أن الأمر وقف عند حد استكمال البيانات السابقة بحيث يصبح من حق كل من استوفاها إصدار الجريدة لكان هذا التشدد مقبولا، لكن الأمر يخضع للسلطة التقديرية المطلقة للإدارة كما سنراه لاحقا.(67)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(64) أنظر في ذلك نص المادة 14 من القانون رقم 3 لسنة 1961 سابق الإشارة إليه.
(65) أنظر المادة 11 من القانون سابق الذكر.
(66) أنظر ذلك في الصفحة (23) من هذا البحث.
(67) اعتنق القانون الصادر في عام 1956 أسلوب الترخيص البسيط بما يجعله يدور في فلك الأسلوب العقابي، أنظر الصفحة 23 من هذا البحث.
المرحلة الثانية: صدور الموافقة الصريحة المسبقة ذات الطابع المتشدد
بعد أن يقوم مقدم طلب الجريدة بتقديم طلبه إلى دائرة المطبوعات والنشر وفقا لحكم المادة 14 من القانون، فإنه يبقى في انتظار الموافقة الصريحة على الطلب وسيكون نتيجة تقديم طلبه أحد احتمالين:
الاحتمال الأول: أن يبلغ مقدم الطلب بالترخيص في إصدار الجريدة بإخطار رسمي وذلك
خلال ثلاثين يوما من تقديم الطلب.(68)
الاحتمال الثاني: أن يبلغ برفض ترخيص إصدار الجريدة، أو تمضي مدة الثلاثين يوما دون
أن يبلغ بالموافقة على الترخيص خلال تلك المدة، وعليه يعتبر طلبه مرفوضا.(69)
وأمام الاحتمالين السابقين فإننا ندرك مدى التشدد الذي يتسم به القانون رقم 3 لسنة 1961 في شأن تراخيص الصحف، حيث أن مظاهر التشدد تلك تتمثل بالأمور الآتية:
- رهن ممارسة حرية إصدار الصحف، والمؤسسات الإعلامية كافة، على الموافقة الصريحة المسبقة لوزير الإعلام.
- اعتناق القانون لمنهج النظام الوقائي في تنظيم ممارسة حرية الصحافة بأقصى صورها تشددا، إذ أنه لم يفتح المجال حتى أمام الصورة المخففة في هذا النظام وهي ما تسمى بالموافقة البسيطة، أي تلك التي يمكن استخلاصها ضمنيا من موقف الإدارة في شأن موضوع القرار الذي تزمع اصداره، والتي تتحقق في حال اعتبار مضي الزمن قرينة على صدوره بالموافقة أي عدم رد الإدارة وانتهاء المهلة الزمنية المقررة بالقانون تجعله بمثابة قرار إيجابي بالموافقة من قبل الإدارة.
- اعتبار مضي المهلة الزمنية دون رد من جانب الإدارة على طلب إصدار الجريدة بمثابة الرفض.
- منح السلطة الإدارية ممثلة بوزير الإعلام سلطة تقديرية واسعة في منح الترخيص أو رفضه دون حدود أو قيود، فقد جاءت نصوص المواد 13، 14، 15 من القانون التي تتعلق بالترخيص في إصدار الصحف خالية من أي قيد على سلطة الوزير في تقديره للأسباب والمبررات التي يقبل أو يرفض على
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(68) تنص المادة 15 من القانون رقم 3 لسنة 1961 على أنه " يبلغ الترخيص في إصدار الجريدة إلى صاحبها بإخطار رسمي، خلال ثلاثين يوما من وقت الطلب. وإذا لم يبلغ الترخيص خلال هذه المدة، اعتبر الطلب مرفوضا".
(69) المادة السابقة، كما تنص المادة 16 على عبارة: " وفي حالة رفض الترخيص…"
أساسها منح ترخيص إصدار الصحف، وهو موقف يؤكد المنهج الوقائي المتشدد الذي انحاز إليه قانون المطبوعات والنشر الكويتي، إذا غالبا ما يكون عدم منح الترخيص من قبل السلطة التنفيذية تحكميا، يتحجج بمبررات فضفاضة هادفة الانتقاص من الحرية الصحافية.
المرحلة الثالثة: التظلم الوجوبي المتدرج المقرون بقرار نهائي بعيدا عن رقابة القضاء:
أما المرحلة الثالثة التي يمر بها إجراء ترخيص إصدار الصحف في الكويت فإنه يتمثل، بحق مقدم الطلب في أن يتظلم من قرار الرفض الصريح أو الضمني أي سواء تمثل ذلك بقرار رفض صريح بلغ به مقدم الطلب، أو تحقق الرفض ضمنيا بحكم القانون بعد مضي ثلاثين يوما دون أن يستحصل صاحب الطلب على رد من وزير الإعلام في شأن طلبه.
ففي الحالتين السابقتين يجوز أن يتظلم صاحب الطلب أمام وزير الإعلام أي أنه يقدم تظلما ولائيا ( أي لمصدر القرار نفسه) وهو في حالتنا وزير الإعلام، ويجب أن يقدم التظلم المذكور خلال عشرة أيام من وقت تبليغه الرفض أو من انقضاء الثلاثين يوما. ويجب آن يبت رئيس دائرة المطبوعات (وزير الإعلام) في التظلم خلال أسبوعين من وقت تقديمه.(70)
ومن المتصور في هذه الحالة أن يقوم وزير الإعلام بالبت في التظلم أو يتجاهله ويقوم بوضعه في إدراج مكتبه، وتكون هذه هي نهاية المطاف لهذه الحرية الهامة.
غير أن قانون المطبوعات والنشر واجه احتمال رد الوزير على التظلم بالرفض منظما بعد ذلك تظلما آخر يكون أمام الجهة الرئاسية لوزير الإعلام وهي مجلس الوزراء آخذا بما يسمى بالتظلم الرئاسي بالمقابلة مع التظلم الولائي، فإذا كان التظلم الولائي كما سبقت الإشارة إليه يقدم لمصدر القرار نفسه، فإن التظلم الرئاسي يقدم لرئيس مصدر القرار لينظر في مدى سلامة ومشروعية وملاءمة قرار مرؤوسه(71) ولم يكتف قانون المطبوعات والنشر رقم 3 لسنة 1961 بجواز التظلم الرئاسي بل جعل التظلم الولائي - ي لمصدر القرار- في شأن تراخيص الصحف شرطا لقبول تظلمه الرئاسي، أي أنه أخرج التظلم من قواعده العامة التي تجعله جوازيا اختياريا إلى جعله وجوبيا متدرجا بحيث أنه لا ينظر في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(70) تنص المادة 16 على أنه " في حالة رفض الترخيص، أو إذا انقضى ثلاثون يوما من وقت تقديم الطلب دون رد، يجوز لمقدم الطلب أن يتظلم إلى رئيس دائرة المطبوعات والنشر خلال عشرة أيام من وقت تبليغه الرفض أو من انقضاء الثلاثين يوما. ويبت الرئيس في التظلم خل أسبوعين من وقت تقديم الطلب".
(71) أنظر في ذلك د. عبدالله طلبه " الرقابة القضائية على أعمال الإدارة- القضاء الإداري" مديرية المكتب والمطبوعات الجامعية 1995-1996، منشورات جامعة حلب، ص 46 وما بعدها. وأنظر أيضا د. طعيمة الجرف " القانون الإداري" ص 21، وأنظر أيضا د. ماجد راغب الحلو " القضاء الإداري" دار المطبوعات الجامعية 1985 ، ص 326 وما بعدها.
التظلم الرئاسي، إلا اذا كان مسبوقا بتظلم ولائي، وهذا تشدد وعنت ما بعده تشدد، فالتظلم الوجوبي عادة يعرف بالنسبة لبعض القرارات الإدارية باعتباره شرطا لقبول نظرها من قبل القضاء، لا من السلطة الإدارية ذاتها.
وهذا التظلم الوجوبي المتدرج هو ما يفهم من نص المادة 17 من قانون المطبوعات والنشر المذكور والتي يقضي حكمها " إذا رفض التظلم، جاز لمقدم الطلب رفع استئناف إلى المجلس الأعلى- استبدل بمجلس الوزراء- خلال عشرة أيام من وقت تبليغه الرفض. ويكون قرار المجلس الأعلى نهائيا لا يجوز الطعن فيه".
ولابد لنا من آن نسجل في شأن نظام التظلم ضمن إجراءات تراخيص الصحف في الكويت الملاحظات الهامة الآتية:
1- أن القانون قد استخدم مصطلح الاستئناف للتعبير عن التظلم الرئاسي وهو تعبير غير سائغ ويجدر أن تتم معالجته التشريعية بصورة عاجلة حفاظا على استقرار المصطلحات وعدم خلط المفاهيم.
2- أن التظلم المتدرج الوجوبي فيه خروج عن القواعد العامة التي تجعل التظلم اختياريا، رغم أن الخروج يكون استثنائيا ومبررا اذا كان التظلم شرطا لرفع الدعوى أمام القضاء الإداري أو غيره.
3- أن نظام التظلم من قرارات رفض إصدار تراخيص الصحف قد تبنى مواعيد قصيرة للتظلم، خروجا على القواعد العامة التي تجعله ستين يوما من تاريخ تبليغ القرار أو العلم به، وقد رتب على ذلك تحصين القرار بفوات هذا الأجل القصير، والذي تمثل بعشرة أيام لكل من التظلمين الولائي- أي لمصدر القرار نفسه، أو للتظلم الرئاسي – أي لرئيس مصدر القرار.
4- أن القانون في نص مادته 17 قد حصن قرارات رفض تراخيص الصحف من أن يتم الطعن عليها أمام القضاء حيث قرر في عجز هذه المادة " ويكون قرار المجلس الأعلى نهائيا لا يجوز الطعن فيه" وهو موضوع لاشك يعزز منهج التشدد في مواجهة نظام تراخيص الصحف من جهة، ويثير تساؤلات حول مدى دستورية هذا التحصين، وهو ما سنعرضه في المبحث الثاني من هذا البحث والذي خصصناه لإمكانية رقابة القضاء على نظام تراخيص الصحف في الكويت.
وقبل أن ننهي تناولنا لنظام تراخيص الصحف في ظل القانون رقم 3 لسنة 1961 فإنه لابد من الإشارة إلى أوجه التشدد الأخرى التي انعكست في هذا القانون وهي تتمثل بما يلي:
1- أنه حتى في حالة الموافقة على الترخيص لمقدم الطلب فان ترخيصه يبقى قرارا اداريا معلقا على شرط واقف يتمثل بقيام المرخص له بإصدار الجريدة بإيداع تأمين مالي حددته المادة 18 من القانون،(72) فإذا لم يقم بذلك فإن ترخيص صحيفته يبقى معلقا لفترة زمنية معينة، فإذا استوفى شرط إيداع التأمين اعتبر الترخيص قرارا منجزا، إما إذا لم يسدد التأمين وحل الأجل الزمني الذي حددته المادة 20 بثلاثة اشهر، فإنه بعدها يتحول هذا القرار إلى قرار إداري معلق على شرط فاسخ بمعنى أن مضي المدة دون استيفاء التأمين المطلوب يترتب عليه انتهاء الترخيص الممنوح بحكم القانون. وهو ما عبرت عنه المادة 20 من القانون باعتباره نوعا من إلغاء الترخيص اذا لم يتمكن المرخص له من دفع التأمين أو تقديم الضمان المصرفي خلال ثلاثة اشهر من تاريخ تبليغه الموافقة على الترخيص.(73)
وقد استخدم القانون لفظ إلغاء بدلا من انتهاء وهو المصطلح الأدق، خصوصا وأن قرار الإدارة بإنهاء الترخيص أو تجاوزا إلغائه يكون ذا أثر كاشف لحكم القانون الذي يكون واجب الأعمال بمجرد تحقق الشرط الفاسخ.
2- أن القانون اعتبر مجرد توقف إصدار الصحيفة لمدة ستة شهور متتالية سببا لإلغاء ترخيصها، وهو مظهر آخر من مظاهر التشدد في تعقب تراخيص الصحف والحد من حريتها، بما يعزز ويدعم المنهج الوقائي الذي تبناه القانون بما يسمح دائما بأن تمارس الإدارة دورا مباشرا في ترخيص هذه الحرية وتقييد ممارستها واستغلالها لمثل هذه الثغرات القانونية التي لن تتوانى الإدارة في استخدامها وهي السلطة التي عرفت بعداوتها التقليدية للحرية.
3- ولم يكتف المشرع بذلك بل أجاز أن يتم تعطيل الصحف بل وإلغاء ترخيصها بقرار من السلطة الإدارية أحيانا، وفقا للمادة 35و35 مكرر على نحو ما سنعرض له لاحقا.
وتجدر الإشارة هنا إلى آن الأسلوب الوقائي القائم على الترخيص المسبق قبل ممارسة إنشاء المؤسسة الصحفية بمفهومها الواسع الذي يشمل الصحف بمعناها التقليدي وغيرها من المؤسسات الصحفية والإعلامية، يمتد ليشملها جميعا باعتبار جميع تلك الوسائط والمؤسسات الإعلامية دون شك تندرج تحت حكم القانون رقم 3 لسنة 1961والذي قرر ذلك بشكل واضح وصريح في نصي المادتين 9،42 منه.(74)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(72) تنص المادة 18 من القانون على ما يلي " عند الترخيص في إصدار الجريدة يودع صاحبها أحد المصارف باسم دائرة المطبوعات والنشر تأمينا مقداره : 1- ألف روبية إذا كانت الجريدة تصدر مرة في الشهر على الأكثر.2- الفا روبية اذا كانت الجريدة تصدر مرتين في الشهر على الأكثر. 3- ثلاثة آلاف روبية اذا كانت الجريدة تصدر أربع مرات في الشهر على الأكثر. 4- أربعة آلاف روبية اذا كانت الجريدة تصدر اكثر من مرة في الأسبوع. ويجوز أن يستعاض عن التأمين المالي المذكور بضمان مصرفي.
وإذا نقص التأمين بسبب وفاء الغرامات أو المصروفات التي قد يحكم بها على المستغل أو رئيس التحرير أو الطابع أو غيرهم. وجب إكماله خلال خمسة أيام من تاريخ إشعار صاحب الجريدة بذلك.
(73) تنص المادة 20 من القانون المشار إليه على أنه " يلغي ترخيص الجريدة اذا طلب مالكها الغاءه، أو عجز عن دفع التامين المالي أو عن تقديم الضمان المصرفي خلال ثلاثة اشهر من تاريخ تبليغه الموافقة على الترخيص".
(74) تقرر المادة 9 من القانون رقم 3 لسنة 1961 بأنه " يقصد بالجريدة أي صحيفة أو مجلة أو أي مطبوع آخر يصدر بصفة دورية، في مواعيد منتظمة أو غير منتظمة." كما تنص المادة 42 على أن " جميع الالتزامات التي نص عليها هذا القانون في شأن صاحب الجريدة أو مستغلها ورئيس تحريرها وطابعها وناشرها تسري في حق كل مسئول عن أي مطبوع سواء كان كتابا او رسالة أو رسوما أو صورا أو منشورات أو ملصقات أو غير ذلك من وسائل تداول المطبوع." كما تنص المادة 4 على آن " المطبوع هو كل كتابة أو رسم أو قطعة موسيقية أو صور شمسية أو غير ذلك من وسائل التمثيل، اذا أصبحت قابلة للتداول. ويقصد بالتداول بيع المطبوع أو عرضه للبيع أو إلصاقه الجدران أو أي عمل آخر يجعله في متناول الناس."
ج- تشريعات الصحافة بين دائرتي السلطة والحرية
إن الظاهرة الهامة التي لحقت تشريعات الصحافة والمطبوعات والنشر في الكويت هو ذلك التجاذب الشديد الذي لحقها بين دائرتي السلطة والحرية في الكويت، وما يخالطهما من مناطق تقاطع واضحة بين المصالح والاعتبارات المتناقضة والتي يسعى البعض بالنسبة لها إلى توسيع دائرة الحرية الصحفية بشكل خاص والحريات الإعلامية بشكل عام، في حين يعمد البعض الآخر إلى تقليص دائرة الحرية الصحافية لمصلحة دائرة السلطة.
وقد انعكس هذا التجاذب على العديد من التعديلات التي لحقت قانون المطبوعات والنشر رقم 3 لسنة 1961 وهو القانون النافذ بالدولة منذ ذلك الوقت وحتى اليوم. ولم تسلم الحرية الصحفية بشكل خاص والحريات الإعلامية بشكل عام من محاولة السلطة السياسية في الكويت النيل منها ومن الخيار الديمقراطي للنظام السياسي للدولة بشكل عام أو تعطيله كلما سنحت لها الفرصة ذلك باعتبار ما تحمله من قناعات في خصوص الخيار الديمقراطي.(75)
ولعل تعقب التعديلات التشريعية المختلفة التي لحقت قانون المطبوعات والنشر المشار إليه تبرز حقيقة هذا التجاذب.
ففي عام 1965 صدر أول تعديل على القانون وهو يمس المادة 35من ذلك القانون.(76) وتنظم المادة35 في نصها الأصلي التعطيل الإداري المؤقت للصحيفة لمدة لا تزيد عن سنة، كما تنظم الإلغاء الإداري لترخيص الجريدة، وذلك في حال ثبوت أحد أمرين هما أن الجريدة تخدم مصالح دولة أجنبية تتعارض مع المصلحة الوطنية، أو أن الجريدة غير السياسية قد حادت عن غرضها وخاضت في أمور سياسية(77) ولاشك في أن هذا النص يعتبر من النصوص المنتقصة من حرية الصحافة آن لم نقل المصادرة لهذه الحرية نظرا لوضع مصير الجريدة بيد السلطة الإدارية للتعطيل المؤقت أو لإلغاء الترخيص بصورة تحكمية، وهو ما يكشف مرة أخرى ما سبق لنا عرضه بخصوص المنهج المتشدد في الترخيص.قد هدف التعديل إلى توسيع نطاق التعطيل الإداري ليشمل حالات لم تكن مقررة في ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(75) أنظر محمد عبدالقادر الجاسم " الكويت ومثلث الديمقراطية" القاهرة، 1992، ص 77 وما بعدها.
(76) أنظر القانون رقم 29 لسنة 1965 بتعديل مادة في قانون المطبوعات والنشر رقم 3 لسنة 1961، منشور بالجريدة الرسمية الكويت اليوم، العدد 534، السنة الحادية عشر.
(77) تنص المادة 35 في نصها الأصلي على أنه " يجوز بقرار من رئيس دائرة المطبوعات والنشر، تعطيل الجريدة لمدة لا تزيد على سنة واحدة او إلغاء ترخيصها، اذا ثبت أنها تخدم مصالح دولة أجنبية تتعارض مع المصلحة الوطنية، أو ثبت آن الجريدة غير السياسية قد حادت عن غرضها وخاضت في أمور سياسية. ويجوز التظلم من القرار أمام المجلس الأعلى خلال عشرة أيام من وقت إبلاغه."
النص الأصلي، ونقل السلطة المختصة بالتعطيل وإلغاء الترخيص في النص السابق من يد وزير الإعلام إلى مجلس الوزراء، بما يعكس في ظاهره توجها ايجابيا، في حين أن التعديل في حقيقته قد عمد إلى توسيع أحوال التعطيل الإداري،(78) على نحو ينال من حرية الصحافة ونظام تراخيصها بشكل لافت للنظر ويشكل تراجعا إضافيا في نظامها المقيد بإرادة السلطة التنفيذية المسبقة، وقد أوردت المذكرة الإيضاحية المرافقة للقانون رقم 29 لسنة 1965 المعدل للمادة 35 مبررات التعديل الذي قدم من قبل الحكومة فيما يلي:" ولما كان نشر الأمور المحظور نشرها بموجب المواد 23، 24، الفقرة الأخيرة، و27و30 من القانون المذكور، يعتبر من المخالفات الجسيمة، يعرض بعضها مقومات المجتمع نفسه للخطر، أو علاقات دولة الكويت الدولية مع الدول الأخرى للتكدير، فقد اصبح من الملائم تجنبا لهذه الأضرار، وضمانا لالتزام الصحافة حدود رسالتها، أن يضاف إلى حالات التعطيل الإداري، لمدة لا تجاوز السنة حالات نشر ما يخالف الحظر الوارد في المواد الأربع آنفة الذكر (23و 24، فقرة أخيرة و27 و30 من القانون الحالي) مع بقاء إلغاء ترخيص الجريدة حتى في هذه الحالات من اختصاص القضاء وحده كما هو الحال الآن.(79)
وهذا التبرير ليس له من هدف سوى الإمعان في منهج التشدد في تراخيص الصحف وإخضاعها لمزيد من التحكم من قبل السلطة التنفيذية على حساب حرية الصحافة.
خصوصا وان المادة 24 فقرة أخيرة على سبيل المثال تتعلق بالمساس برؤساء الدول أو تعكير صفو العلاقات بين الكويت وبين البلاد العربية أو البلاد الصديقة.(80)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(78) يجري حكم نص المادة 35 المعدل بالقانون رقم 29 لسنة 1965 بما يلي: " يجوز بقرار من مجلس الوزراء تعطيل الجريدة لمدة لا تزيد على سنة واحدة أو إلغاء ترخيصها، اذ ثبت أنها تخدم مصالح دولة أجنبية تتعارض مع المصلحة الوطنية أو ثبت ان الجريدة غير السياسية قد حادت عن غرضها وخاضت في أمور سياسية. كما يجوز بقرار من مجلس الوزراء تعطيل الجريدة لمدة لا تزيد على سنة واحدة اذا نشرت ما يخالف الحظر الوارد في المادة 23 والفقرة الأخيرة من المادة 24 والمادتين 27 و30 من هذا القانون.
ويجوز التظلم من قرار التعطيل أو إلغاء الرخصة حسب الأحوال إلى مجلس الوزراء خلال عشرة أيام من وقت إبلاغ مالك الجريدة أو رئيس تحريرها بالقرار المذكور. ويعتبر القرار الصادر من مجلس الوزراء في التظلم نهائيا. ولا يمنع قرار التعطيل أو إلغاء الرخصة من محاكمة المسئولين أمام المحكمة المختصة اذا اقتضى الأمر".
(79) انظر المذكرة الإيضاحية المرافقة للقانون رقم 29 لسنة 1965 ، منشورة في الكويت اليوم العدد 534 السنة الحادية عشر ص 12.
(80) تنص المادة 24 على ما يلي: " يحظر نشر أنباء الاتصالات السرية الرسمية، ونشر الاتفاقات والمعاهدات التي تعقدها حكومة الكويت قبل نشرها في الجريدة الرسمية إلا بإذن من دائرة المطبوعات والنشر وكذلك يحظر نشر ما من شأنه المساس برؤساء الدول، أو تعكير صفو العلاقات بيت الكويت وبين الدول العربية أو البلاد الصديقة."
كما تحظر المادة 27 على سبيل المثال أيضا نشر ما من شأنه التحريض على ارتكاب الجرائم، أو إثارة البغضاء، أو بث روح الشقاق بين أفراد المجتمع. وواضح من المثالين السابقين أن الأفعال محل الحظر قد عبر عنها المشرع في عبارات فضفاضة واسعة غير منضبطة، ومن ثم فإن تقرير تعطيل الصحف بالاستناد إلى تقدير السلطة التنفيذية، يعني إخضاع الحرية للسلطة التنفيذية بصورة تحكمية، تحتمل تفسيرات سياسية تبعا لما يخالط السياسة من أهواء وتقلبات غير موضوعية بعيدة عن المعايير الحيادية، وهو ما يشكل خطورة على حرية الصحافة. ولذا فإنه بالرغم من استمرار الاعتراض على الألفاظ الفضفاضة الواردة في المادتين 24، 27 على سبيل المثال، إلا أن إسناد اختصاص تعطيل الصحف للقضاء يعني الاحتكام لسلطة تتوافر لها ضمانات الحيدة والموضوعية بعيدة عن المؤثرات السياسية وتقلباتها السريعة.
وفي إطار ذلك التجاذب بين الحرية والسلطة، عاد المشرع وبناء على اقتراح مقدم من بعض أعضاء مجلس الأمة إلى تعديل المادة 35 من جديد وذلك بموجب القانون رقم 9 لسنة 1972(81) ليقصر تعطيل الصحف على نوع واحد وهو التعطيل القضائي، لاغيا بذلك كل أنواع التعطيل الإداري سواء ما كان مقررا بنص المادة 35 الاصلية، أو بعد أن وسع نطاقه بتعديلها بموجب القانون رقم 29 لسنة 1965. مع إبقاء صورة واحدة للتعطيل الإداري المتوقف على إذن مسبق من القضاء وبناء على طلب النيابة العامة ولمدة لا تتجاوز ثلاثة أسابيع في جميع الأحوال. وقد أوردت المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 9 لسنة 1972 مبررات التعديل وحكمته بصورة تبرز فكرة حماية حرية الصحافة وفقا لما قرره الدستور، ومما ورد في المذكرة الإيضاحية المذكورة ما يلي:(82)
" تؤمن الكويت بحرية الفكر والرأي، وقد كفل دستورها هذه الحرية في المادة (37) منه التي تنص على أن ( حرية الصحافة والطباعة والنشر مكفولة وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون).
ولما كانت مقتضيات التطور وما وصل إليه الشعب الكويتي من وعي ونضج وثقافة تقتضي تحقيق ما كفله الدستور من حرية الصحافة والطباعة والنشر تحقيقا كاملا يجعل الرقابة على جرائم الصحافة راجعة إلى القضاء الذي يسند إليه وحده الاختصاص بإلغاء ترخيص الجريدة أو بتعطيلها أو بوقف ظهورها مؤقتا. حتى يتم بذلك توفير ضمانة من اخطر الضمانات الدستورية للمشتغلين بالفكر والرأي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(81) يجري نص المادة 35 بعد تعديلها في القانون رقم 9 لسنة 1972 والمنشور في الكويت اليوم- العدد 869- السنة الثامنة عشرة ص 18 على ما يلي: " تعدل المادة (35) من القانون رقم 3 لسنة 1961 المعدلة بالقانون رقم 29 لسنة 1965 على النحو التالي:
1- لا يجوز تعطيل أي جريدة أو إلغاء ترخيصها إلا بموجب حكم نهائي صادر من محكمة الجنايات، ولا يجوز أن تزيد مدة تعطيل الجريدة عن سنة واحدة.
2- ويقدم مالك الجريدة ورئيس تحريرها إلى المحكمة بقرار من النائب العام المختص بعد تحقيق النيابة العامة بناء على بلاغ يقدم إليها من وزير الإعلام.
(82) أنظر المذكرة الإيضاحية المرافقة للقانون رقم 9 لسنة 1972كويت اليوم، العدد 869،السنة الثامنة عشرة،ص 19
في الكويت. فقد رأينا استكمال هذه السلسلة من النصوص بنص جديد يحل محل النص الحالي للمادة (35) من قانون المطبوعات والنشر ويزيل التناقض الظاهر في القانون الحالي بسبب وجود هذه المادة بوضعها الراهن إلى جانب المواد الآنف ذكرها،اذ يجعل الاختصاص بالتعطيل او إلغاء الترخيص راجعا في جميع الأحوال إلى محكمة الجنايات. حتى لا تتخذ هذه الإجراءات الخطيرة آلا بعد محاكمة عادلة وبموجب حكم نهائي مسبب، وبذلك يأمن أصحاب الرأي من أية مباغتة قد لا يكون لها سند من القانون ويتوفر لهم حق الدفاع عن أنفسهم إزاء أية تهمة وذلك لأن التظلم المنصوص عليه في المادة (35) بوضعها الحالي لا يشكل ضمانة كافية اذ يجعل من جهة الإدارة خصما وحكما. لذلك رأينا التقدم باقتراحنا هذا، لتعديل في قانون المطبوعات والنشر ينصب على المادة (35) من ذلك القانون.
وحرصا على المصلحة العامة تتضمن الفقرة الأخيرة من النص المقترح تخويل رئيس دائرة الجنايات الحق في إصدار قرار بناء على طلب النيابة العامة- بإيقاف صدور الجريدة مؤقتا لمدة لا تتجاوز ثلاثة أسابيع أثناء التحقيق أو أثناء المحاكمة، وذلك لضمان عدم التأثير على سير التحقيق أو المحاكمة."
وبعد أن تم تعطيل الحياة النيابية بصورة غير دستورية بقرار حل مجلس الأمة بأمر أميري مخالف للدستور في عامي 1976، 1986 (83) وهو تعطيل خيمت أثاره على العديد من النواحي القانونية والسياسية في الدولة لمدة وصلت في الحل الأول إلى ما يزيد على الأربع سنوات، وفي المرة الثانية الست سنوات. وهي ذات الآثار التي برزت على حالة التجاذب بين السلطة والحرية في شأن نظام تراخيص الصحف وحريتها، فقد صدر على اثر حل مجلس الأمة مباشرة المرسوم بالقانون رقم 59 لسنة 1976(84) والذي أضاف مادة جديدة تحت رقم المادة 35 مكررا وقد قررت هذه المادة جواز تعطيل وإلغاء تراخيص الصحف بقرار إداري من مجلس الوزراء وبصورة مطلقة، مما جعل وضع الحرية الصحفية في الكويت في حالة شبه معطلة وقد مارست الحكومة فعلا اختصاص التعطيل الإداري في مواجهة الصحف بعد بضعة أيام بعد الحل على اثر ردة الفعل الشعبي التي عبرت عنها الصحافة عقب صدور قرار حل مجلس الأمة غير الدستوري. وما أن عادت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(83) أنظر في تفاصيل ذلك د. محمد عبدالمحسن المقاطع " مدة الفصل التشريعي واسباب مده وامتداده وفقا للتنظيم الدستوري الكويتي" مجلة الحقوق - السنة الثالثة عشرة- العدد الثاني- يونيو1989.
(84) يلاحظ أن أداة إصدار المادة 35 مكرر من قانون المطبوعات كانت لائحة من لوائح الضرورة، أي مرسوم بقانون استنادا لنص المادة 71 من الدستور وقد أثار هذا الموضوع بحد ذاته نقاشات دستورية واسعة حوله وانظر في ذلك على سبيل المثال أنظر د. عادل الطبطبائي "مدى اختصاص مجلس الأمة بنظر المراسيم بقوانين الصادرة في حال الحل" مجلة الحقوق، السنة 18، العدد الرابع، ديسمبر 1994. وأنظر أيضا د. محمد المقاطع " دراسة في اتجاهات القضاء الدستوري الكويتي" 1999 ، الصفحات 82-92. وأنظر أيضا د. بدرية جاسر الصالح " التشريع الحكومي في الكويت: حالاته، قيوده، خضوعه لرقابة المحكمة الدستورية" مجلة الحقوق، جامعة الكويت، السنة 19 العدد 2 يونيو 1995.
الحياة البرلمانية عام 1981 حتى تصدى مجلس الأمة لهذا المرسوم بقانون وقرر إلغاءه(85) وعلى إثر حل مجلس الأمة من جديد عام 1986 عمدت الحكومة إلى إصدار الأمر الأميري بقانون رقم 73 لسنة 1986 بتعديل بعض أحكام قانون المطبوعات والنشر.
وقد عاود تعديل المادة 35 من جديد ليجيز التعطيل الإداري بناء على قرار من مجلس الوزراء.(86) كما انه أضاف مادة جديدة تحت رقم 35 مكرر، و35 مكرر أ، و35 مكرر ب، هدفت جميعها إلى توسيع نطاق التعطيل الإداري من جهة، بل وضبط المطبوعات إداريا وإعدامها، فضلا عن- وهذا من اخطر التعديلات- إخضاع الصحف والجرائد لرقابة مسبقة من قبل السلطة الإدارية من خلال تواجد مفتش وزارة الإعلام للتدقيق بشكل مسبق على ما سيتم نشره في الصحيفة.
وقد عاود مجلس الأمة من جديد التصدي لهذا المرسوم بقانون وقام بالغائه وذلك في جلسته المنعقدة بتاريخ 19 يناير 1993، وقد نشر ذلك في الجريدة الرسمية التي جاء فيها ما يلي: " إن مجلس الأمة بجلسته المنعقدة في يوم الثلاثاء الموافق 19 يناير سنة 1993 لم يقر الأمر الأميري رقم 73 لسنة 1986 بتعديل بعض أحكام قانون المطبوعات والنشر الصادر به القانون رقم 3 لسنة 1961. وبناء على ذلك فقد زال اعتبارا من يوم 3 يوليو 1986 ما كان للأمر الأميري بالقانون رقم 73 لسنة 1986 المشار إليه من قوة القانون وذلك وفقا للمادة 71 من الدستور.(87)
وفي ضوء ذلك كله يتبين لنا مدى حالة الجذب بين السلطة والحرية والتي تجسدت في موضوع الحريات الصحفية ونظام تراخيصها وهي حالة تعبر عن حالة القلق التي يمكن أن تعيش فيها الحرية حال إسناد اختصاص التحكم في حدودها وأسلوب ممارستها إلى السلطة التنفيذية، وهو ما عايشته الحريات الصحافية في الكويت فعلا منذ صدور القانون رقم 3 لسنة 1961 وحتى اليوم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(85) أنظر جريدة السياسة الصادرة بتاريخ 5/5/1982.
(86) يجري نص المادة 35 وكذلك المواد 35 مكرر أ، ومكرر ب بعد تعديلها بالمرسوم بقانون رقم 73 لسنة 1986 بما يلي:م 35 " يجوز بقرار من مجلس الوزراء تعطيل الجريدة لمدة لا تجاوز سنتين أو إلغاء ترخيصها اذا تبين أنهاس تخدم مصالح دولة أو هيئة أجنبية أو أن ما تنشره يتعارض مع المصلحة الوطنية أو اذا ثبت انها حصلت من اية دولة أو جهة اخرى على معونة أو مساعدة أو فائدة في أية صورة ولأي سبب بغير اذن من وزارة الإعلام. كما يجوز لوزير الإعلام عند الضرورة، وقف الجريدة عن الصدور لمدة لا تزيد على ثلاثة اشهر. م 35 مكرر " يجوز لوزير الإعلام آن يخضع المطبوعات الدورية لرقابة المسبقة على النشر. ويحظر نشر ما أمرت الجهة القائمة على الرقابة بمنع نشره. م 35 مكرر أ " يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاثة سنوات وبغرامة لا تقل عن ثلاثة الاف دينار ولا تزيد على خمسة آلاف دينار أو باحدى هاتين العقوبتين كل من يخالف أحكام المواد 4 مكررا و27 مكررا و35 مكررا. ويجوز لجهة القائمة على الرقابة أن تأمر بضبط ما يصدر من مطبوعات بغير ترخيص." م 35 مكرر ب " لمفتشي وزارة الإعلام أن يدخلوا دور الطباعة والنشر والجرائد ومحلات بيع المطبوعات لمراقبة تنفيذ هذا القانون وضبط ما يقع مخالفا لأحكامه."
(87) أنظر الجريدة الرسمية الكويت اليوم العدد 89 السنة التاسعة والثلاثون ص 5,
د- قانون الدائرة الإدارية وتأثيره على نظام تراخيص الصحف .
يقتضي استكمال البحث في التنظيم التشريعي لنظام تراخيص الصحف في الكويت أن نشير إلى تطور تشريعي هام لحق هذا النظام ولو بشكل مختصر ، وتمثل ذلك بصدور قانون الدائرة الإدارية رقم 20 لسنة 1981 وقد كان القانون عند صدوره قاصرا فيما يتعلق بالطعن بالقرارات الإدارية على طعون الموظفين دون غيرهم (88) وقد كان لظروف وضع هذا التشريع الذي صدر في أواخر فترة إيقاف الحياة النيابية في الفترة ما بين 76-1981 ومحاولة الحكومة استخدام أسلوب لوائح الضرورة في إصداره بالشكل والصيغة التي هي تريدها، مع الأخذ بفكرة الاختصاص الحصري للمحكمة، اثر مباشر في نطاق ولاية هذه الدائرة وقصورها على طعون الموظفين (89).
وقد عمد مجلس الأمة بعد استئناف الحياة البرلمانية في الكويت إلى إجراء تعديلات مهمة على هذا القانون،(90) ولعل من أهمها ما يدخل في نطاق هذه الدراسة هو إضافته للبند خامسا على المادة الأولى من القانون والتي جعلت للدائرة اختصاصا على جميع القرارات الإدارية النهائية , إلا أنها مع ذلك قد أخرجت من نطاق ولايتها أربعة أمور محددة بنص البند الجديد وهي :
أ- القرارات الصادرة في شأن مسائل الجنسية.
ب- القرارات الصادرة في شأن إقامة وإبعاد غير الكويتيين .
ج- القرارات الصادرة في شأن تراخيص الصحف والمجلات.
د- القرارات الصادرة في شأن تراخيص دور العبادة .
ولعل الملاحظة الجديرة بالتنويه هنا هي أن قانون إنشاء الدائرة الإدارية قد تابع التوجه الذي اعتنقه قانون المطبوعات والنشر في شأن تحصين القرارت الصادرة في شأن تراخيص الصحف والمجلات على نحو صريح ومؤكد لاستمرار النهج التشريعي الرافض لإخضاعها لرقابة القضاء. وهو نهج يثير تساؤلات هامة حول مدى سلامة ذلك من الناحية الدستورية وأثره على الحق في التقاضي، فضلا عن ضرورة بحث قيمة النصوص القانونية المانعة أو المحصنة من الطعن بالنسبة لبعض القرارات الإدارية ، وطبيعتها والفرق بينها وبين الأعمال الإدارية المحضة ومدى إدراجها تحت ما يسمى بأعمال السيادة، وهو ما سنتعرض له بالتفصيل المناسب في المبحث الثاني من هذا البحث .
غير أن ما يهمنا هنا الآن هو الإشارة إلى أن التطور التشريعي الذي تمثل بقانون الدائرة الإدارية قد جاء تطورا تشريعيا سلبيا بالنسبة لنظام تراخيص الصحف في الكويت وذلك حينما أقصى القرارات المتعلقة بها من رقابة القضاء عليها وهو ما يؤدي إلى إهدار إحدى أهم الضمانات الأساسية لهذه الحرية الدستورية .
(88) انظر في ذلك د.عثمان عبد الملك الصالح "ولاية الدائرة الإدارية في نظر طعون الموظفين " مجلة الحقوق- السنة العاشرة، العدد الرابع، ديسمبر 1986 ص 19 .
(89) المرجع السابق ص 20
(90) صدر عن مجلس الأمة القانون رقم 61 لسنة 1982 بإدخال بعض التعديلات على قانون الدائرة الإدارية ومن ضمنه البند خامسا الذي أضيف للمادة الأولى . ويجري حكم الفقرة خامسا من المادة الأولى فيما يتعلق بالمسائل التي تدخل في اختصاص الدائرة الإدارية بما يلي : الطلبات التي يقدمها الأفراد أو الهيئات بإلغاء القرارات الإدارية النهائية عدا القرارات الصادرة في شأن مسائل الجنسية وإقامة وإبعاد غير الكويتيين وتراخيص إصدار الصحف والمجلات ودور العبادة ."
المطلب الثالث
نقد التنظيم الدستوري والتشريعي لنظام
تراخيص الصحف في الكويت
حفل التنظيم الدستوري والتشريعي لنظام إصدار الصحف في الكويت بالعديد من المسائل والنقاط الجديرة بالتحليل والنقد بشكل فاحص ودقيق بما يحقق المعالجة الكاملة لهذا الموضوع الهام، خصوصا، وأنه لم تتعرض أية دراسات أو أبحاث قانونية في نطاق القانون العام لهذا الموضوع بشكل مفصل وعلى نحو يخدم الموضوع بجوانبه المختلفة .(91)
ويمكن لنا من خلال دراستنا في المطلبين الأول والثاني في هذا المبحث، وكذلك من دراستنا لموضوع تراخيص الصحف في الكويت، وموقف المشرع منه في الكويت أن نحصر عددا من المسائل والقضايا الهامة التي لابد من أن يتم تناولها في هذا المطلب بالنقد والتحليل بما يفتح أفاقا إضافية أمام الدارسين والباحثين مستقبلا لتناولها بالمزيد من الدراسة والتحليل من جهة، وبما يوجه نظر المشرع إلى ضرورة السير بخطى حثيثة من أجل معالجة ما يكشفه نقدنا وتحليلنا من قصور أو نقص في المسائل محل البحث، ويمكن لنا أن نستجمع القضايا التي سنتولى بحثها تباعا في هذا المطلب في الأمور الآتية:-
أ- قدم قانون المطبوعات والنشر وحاجته الملحة للتطوير والتعديل.
ب- هل ألغي الدستور قانون المطبوعات والنشر جزئيا أو كليا .
ج- نظام تراخيص الصحف حائر بين نظامين من أساليب تنظيم الحريات .
د- التشدد سمة ظاهرة في نظام تراخيص الصحف .
هـ- المفارقة بين التنظيم الدستوري والتشريعي لنظام تراخيص الصحف.
(91) ما يجدر ذكره هو أن الجوانب الجزائية في قانون المطبوعات والنشر رقم 3 لسنة 1961 قد حظيت باهتمام الفقه أكثر من جوانب القانون العام، ونشير في هذا الصدد للأبحاث التالية:-
د.غنام محمد غنام "جرائم القذف والسب في القانون الكويتي، مع التركيز على جرائم الصحافة "، 1985 الكويت .
د.غنام محمد غنام "الجوانب الإجرائية للدعوى الجزائية عن جرائم السب والقذف بطريق الصحافة في القانون الكويتي" مجلة الحقوق السنة العشرون، العدد الثاني، يونيو 1996 الصفحات 11-83.
أ- قدم قانون المطبوعات والنشر وحاجته الملحة للتطوير والتعديل
يعتبر قانون المطبوعات والنشر رقم 3 لسنة 1961 تشريعا قديما في وجهة نظرنا ودون أدنى تردد. فهو قانون صدر في فترة زمنية تسبق صدور الدستور الدائم للبلاد بما يقارب السنتين.(92)
وقد كان صدور القانون في أبان الحكم الوراثي المطلق الذي يقوم على الإرادة شبه المنفردة للأمير فيما يتعلق بتصريف شئون الحكم بالنسبة للسلطتين التشريعية والتنفيذية.(93) فهو وليد فكر دستوري تهيمن عليه النزعة الأوتوقراطية، وتحكمه هيمنة وسطوة السلطة التنفيذية على مقاليد الحكم في البلاد. وقد أنتقل هذا القانون إلى العهد الدستوري الجديد القائم على النظام الملكي الديمقراطي البرلماني الذي أصبحت فيه السلطات الثلاث مقيدة بشرعية دستورية كاملة، وينطلق من نظام برلماني تشكل مسئولية الوزارة حجر الزاوية فيه.(94)
ولئن كان قانون المطبوعات والنشر رقم 3 لسنة 1961 يعتبر تطورا تشريعيا هاما يوم صدوره والعمل به، وحتى في السنوات القلائل التي تلت صدوره، إلا أنه لم يعد كذلك بعد أن وضع الدستور الحالي ومرت عليه فترة طويلة خاصة في ظل التطورات الحديثة في وسائل الإعلام وتطورها وتنوعها إذا أنه لا يستطيع أن يحاكيها أو أن يجاري متطلباتها المتعددة، وهو تطور رأينا في ظله تسابق الدول المختلفة إلى سن تشريعات تتجاوب مع التطورات التكنولوجية الحديثة، ومع عصر المعلومات.(95) وبيت الداء في قدم قانون المطبوعات والنشر يتمثل أيضا باستخدامه أسماء لجهات إشرافية أو ادراية لم تعد موجودة اليوم مثل "دائرة المطبوعات والنشر" "رئيس دائرة المطبوعات والنشر" ليعبر فيها عن وزارة الإعلام ووزير الإعلام، الذي أستبدل أسمه بطريقة غير مباشرة من خلال ما قرره مرسوم إنشاء وزارة الإعلام من جعل كل الاختصاصات المقررة في قانون المطبوعات والنشر من اختصاص وزارة الإعلام ووزير الإعلام التي تقرر:
(92)صدر قانون المطبوعات والنشر رقم 3 لسنة 1961 في 26 يناير 1961 ، في حين صدر الدستور الحالي في 11/11/1962.
(93)انظر في ذلك د.عثمان عبد الملك الصالح "النظام الدستوري والمؤسسات السياسية في الكويت" ، مرجع سبق ذكره ص 125 وما بعدها .
(94)انظر المذكرة التفسيرية للدستور الكويتي في تصويرها العام للنظام . وأنظر د. عبد الفتاح حسن "مبادئ النظام الدستوري في الكويت " مرجع سبق ذكره الصفحات 143 –144، وأيضا الصفحات 393 وما بعدها .
(95) صدر في أمريكا على سبيل المثال قانون حرية تداول المعلومات عام 1967 Freedom of Information Act 1967.
كما صدر قانون the The Electronic Communications Privacy Act –1986 عام 1986 ، وصدر في بريطانيا
قانون حماية المعلومات Data Protection Act – 1985 وغيرها من التشريعات .
انظر في ذلك
Donsia Renee Strong “ The Computer
Matching and Privacy Protection Act of 1988
"تختص الوزارة بالأمور الآتية 3- الرقابة على جميع وسائل النشر وفقا لأحكام
القانون." (96)
وعلى الرغم من التعديلات العديدة التي لحقت قانون المطبوعات والنشر منذ عام 1965 وهو تاريخ أول تعديل كما عرضنا له في المطلب الثاني من هذا البحث وحتى أخر التعديلات التي تمت في عام 1986، فان يد المشرع لم تتناول إلا تعديلات جزئية عكست حالة التجاذب بين السلطة والحرية فيما يتعلق بموضوع الحريات الصحفية ونظام تراخيصها.
فلم يقم المشرع بإعادة تنظيم قانون المطبوعات والنشر بشكل كامل وبما يحقق فكرة تحديث القانون وتطويره وفقا لمقتضيات تطور الحياة ومتغيراتها.
وعليه فقد بقيت المصطلحات والأسماء القديمة متداولة ومعمول بها في القانون كما تظهر ذلك أخر طبعاته،(97) وكذلك الأمر بالنسبة للمحاكم،(98) بل إن حتى العقوبات الواردة في هذا القانون مقدرة بالنسبة للعقوبات المالية بالعملة الكويتية القديمة وهي الروبية بدلا من الدينار، وقد يقول قائل بأنه صدر قانون باستبدال الدينار بالروبية أينما وردت وهذا صحيح، ولكن الصحيح أيضا أن قانون المطبوعات والنشر كما هو منشور متداول اليوم ينص على الروبية بدلا من الدينار، وهو أمر يحتاج للمعالجة التشريعية الشاملة كما أسلفنا، ونورد هنا على سبيل المثال أيضا نص المادة 28 والتي "تقرر يعاقب رئيس التحرير وكاتب المقال بالحبس مدة لا تجاوز ستة شهور وبغرامة لا تجاوز ألف روبية أو بإحدى هاتين العقوبتين، إذا نشر في الجريدة ما حظرته المواد الخمس السابقة" وقد تناولت المحكمة الدستورية في الكويت هذه المادة بصيغتها القديمة في واحد من أحدث أحكامها في هذا الشأن.(99)
وقد سلمت الحكومة في وقت مبكر بعدم ملاءمة قانون المطبوعات والنشر الحالي للأوضاع التي انتقلت إليها البلاد، وذلك في المذكرة الإيضاحية لأول التعديلات التي قدمتها عام 1965 والذي صدر بها القانون رقم 29 لسنة 1965 والذي سبق لنا تناوله في المطلب الثاني من هذا المبحث ومما أوردته الحكومة في المذكرة الإيضاحية ما يلي:-
(96)انظر مرسوم في شأن اختصاص وزارة الإعلام الصادر بتاريخ 7 يناير 1979 والمنشور بمجموعة التشريعات الكويتية- إصدار إداري الفتوى والتشريع – الجزء الرابع، الطبعة الثالثة 1995، الصفحتان من 63-64 .
(97)انظر في ذلك على سبيل المثال مجموعة التشريعات الكويتية – صادرة عن إدارة الفتوى والتشريع، الجزء السادس – الطبعة الرابعة 1993 الصفحات من 388 –403، حيث أوردت المواد 2،3،5،6،7،13،14،16،17،18،18،19،37،40،41،45، تستخدم عبارات ومصطلحات دائرة المطبوعات والنشر ورئيس دائرة المطبوعات، ونذكر على سبيل المثال هنا نص المادة 13 والذي يقرر "لا يجوز إصدار جريدة إلا بعد الترخيص في إصدارها من رئيس دائرة المطبوعات والنشر"
(98)انظر في ذلك حكم محكمة الاستئناف الكويتية في الحكم رقم 1423/97ج.م والحكم 12/97 جنح صحافة الصادر في 26/10/1997 حيث استندت المحكمة إلى نص المادة 33 من قانون المطبوعات والنشر رقم 3 لسنة 1961 واستخدمت مصطلح (رئيس الشرطة واضعة ما يقابله اليوم وهو وزير الداخلية بين قوسين)
(99)انظر حكم المحكمة الدستورية الكويتية رقم 7 لسنة 1998(دستوري) منشور في الكويت اليوم – لسنة 44 – العدد 386 بتاريخ 15 نوفمبر 1998
"وتحقيقا لهذه الأغراض أعدت الحكومة مشروع القانون المرافق بتعديل أحكام المادة 35 من القانون 3 لسنة 1961 بشأن المطبوعات والنشر كتدبير عاجل مؤقت، إلى أن يتم إصدار قانون جديد يجري الآن إعداده لكي يحل محل القانون القائم في هذا الشأن".(100)
وقد تناولت لجنة الشئون التشريعية والقانونية في مجلس الأمة هذه الجزئية في أحد تقاريرها لمجلس الأمة بمناسبة نظرها لاقتراح بتعديل بعض أحكام القانون رقم 3 لسنة 1961، وذلك بالعبارات التالية: "وقد صدر قانون المطبوعات والنشر رقم 3 لسنة 1961 في 4 يناير 1961 م، قبل صدور دستور الكويت بأكثر من عام وظل ساريا حتى الآن طبقا للمادة (180) من الدستور. وقد استمر نفاذ هذا القانون والعمل بأحكامه بالرغم من ما تعرضت له الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية من تطور وما شهدته وسائل الطباعة والنشر من إضافة للمكتسبات السياسية التي أحرزها شعب الكويت من الدستور الذي أفاء على المواطنين – مزيدا من الحرية السياسية، وجعل الحرية إحدى دعامات ثلاث لحماية المجتمع تصونها الدولة (كما جاء بنص المادتين 7،8) .(101)
وفي ضوء ذلك كله تتأكد حقيقة قدم قانون المطبوعات والنشر في وضعه الراهن الأمر الذي يتطلب من المشرع أن يبادر إلى وضع تشريع متكامل للمطبوعات والنشر يحقق الضمانات اللازمة للحريات الإعلامية وينظمها بأسلوب عصري يراعى المبادئ الدستورية ذات الصلة بالموضوع من جهة، وسنن التقدم والتطور التي وصلت لها الكويت والعالم على أعتاب القرن الحادي والعشرين.
(100) أنظر ذلك في المذكرة الإيضاحية المرافقة للقانون رقم 29 لسنة 1965، والمنشور في الكويت اليوم العدد 534 السنة الحادية عشرة، ص 12,
(101) انظر في ذلك التقرير العشرين للجنة الشئون التشريعية والقانونية، في الفصل التشريعي التاسع في دور انعقاد العادي الأول، بتاريخ 23 اكتوبر 1999 الصفحة الأولى منه .
ب- هل ألغى الدستور قانون المطبوعات والنشر جزئيا أو كليا
مسألة غاية في الأهمية تفرض نفسها على البحث ونحن نتناول موضوع التنظيم القانوني لنظام تراخيص الصحف في الكويت، وتتمثل هذه المسألة بالتساؤل الآتي:-
هل ألغى الدستور قانون المطبوعات والنشر رقم 1 لسنة 1963 جزئيا أو كليا؟ وقد يبدو التساؤل لأول وهلة من قبيل الفرضيات الجدلية التي لا طائل من وراء بحثها، أو يبدو تساؤلا لا محل له في ظل تشريع بقى مستمرا في الحياة العملية في الكويت لمدة قاربت الأربعين عاما.
ولكن سبب تساؤلنا هذا وطرحه الآن له جانبان أحدهما فقهي يفتح مسألة نقاشية تستحق التأمل واعمال التفكير في خصوصها ،وثانيهما انه موضوع لم يسبق تناوله، لذا فإن السؤال المقصود ماذا سيكون يا ترى موقف المحكمة الدستورية الكويتية من هذا الموضوع لو قدم إليها دفع بعدم دستورية هذا القانون على أساس أنه قد ألغى كليا أو ربما جزئيا وذلك بحكم الدستور، والذي يعتبر تشريعا لاحقا على قانون المطبوعات والنشر وعليه فإنه يتبين لنا جدوى بحث هذه المسألة استكمالا للبحث في الجانب التشريعي .
وتتمثل وجهة نظرنا في تناول هذه المسألة بأن الدستور الكويتي قد صدر في 11/11/1962 أي في أعقاب صدور قانون المطبوعات والنشر الذي صدر في 4 يناير 61 بمدة تقارب السنتين. وقد قررت المادتان 36 و37 من الدستور أهم الحريات الفكرية وهما حرية الرأي والتعبير والتي نصت عليهما المادة 36 بما يلي " حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرها، وذلك وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون".
في حين تقرر المادة 37 حرية الصحافة، ويجري نصها بما يلي:-
"حرية الصحافة والطباعة والنشر مكفولة وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون" وأخيرا لا بد من الإشارة إلى نص المادة 169من الدستور التي تنص على أن " ينظم القانون الفصل في الخصومات الإدارية بواسطة غرفة أو محكمة خاصة يبين القانون نظامها وكيفية ممارستها للقضاء الإداري شاملا ولاية الإلغاء وولاية التعويض بالنسبة إلى القرارات الإدارية المخالفة للقانون". في حين أن قانون المطبوعات والنشر قد أخضع حرية الصحافة إلى الترخيص الاداري المسبق وفقا للمادة 13منه، كما أنه جعل للسلطة الإدارية سلطة مطلقة في الترخيص بممارسة هذه الحرية من عدمه وفقا لتقديرها التحكمى ولاعتبارات هي التي تقدرها وهو ما يتجلى في المواد 15،16،17من القانون المذكور بل أكثر من ذلك فإن قانون المطبوعات والنشر قد منع القضاء من نظر قرار رفض الترخيص بإصدار الصحف،ومن ثم ممارسة حرية الصحافة. وهو ما يكشف عن تناقض واضح بين موقف قانون المطبوعات والنشر السابق في وجوده على الدستور، وبين الدستور من حيث أن الدستور قد نظم وكفل ووفر الضمانات اللازمة لممارسة حرية الصحافة ، في حين أن القانون السابق عليه ينتقص منها بمنحه الإدارة سلطة وإمكانية منعها ورفض الترخيص بممارستها بسلطة مطلقة وبشكل تحكمي . بل أن القانون منع حق التقاضي أو الطعن على قرار الإدارة الرافض لمنح الترخيص وفقا لنص المادة 18 من القانون التي تقرر" ويكون قرار المجلس الأعلى - أي مجلس الوزراء – نهائيا لا يجوز الطعن فيه"، وهو أي القانون - يخالف بذلك حكم المادة 169 من الدستور التي قررت الولاية الشاملة للقضاء الإداري في مواجهة قرارات الإدارة غير المشروعة.
فإذا ما ربطنا النصوص السابقة بنص المادة 18 من الدستور التي تقرر "كل ما قررته القوانين واللوائح والمراسيم والأوامر والقرارات المعمول بها عند العمل بهذا الدستور يظل ساريا ما لم يعدل أو يلغ وفقا للنظام المقرر بهذا الدستور، وبشرط آلا يتعارض مع نص من نصوصه".
فإذا ما أمعنا النظر في قانون المطبوعات والنشر والذي ينطبق عليه نص المادة 18 من الدستور انطباقا كاملا، كونه من القوانين المعمول بها عند العمل بالدستور الحالي، فإننا سنجد أنفسنا أمام التساؤلين التاليين:-
1- هل يمكن أن يستمر العمل بالقانون رقم 3 لسنة 1961 بعد العمل بالدستور؟
2- هل عدل الدستور أو ألغى القانون رقم 3 لسنة 1961 جزئيا أو كليا؟
وكلا التساؤلين السابقين يؤديان في النهاية إلى نتيجة واحدة مؤداها مدى وجود تعارض بين القانون والدستور الصادر بعده، وإمكانية استمرار العمل بالقانون في ضوء ذلك .
والرأي الذي نعتقده هو أن الدستور وفقا لحكم المادة 180 قد ألغي القانون رقم 3 لسنة 1961 إلغاء جزئيا ينال بذلك جميع المواد المتعلقة بترخيص الصحف وهي المواد 13،14،15،16،17،20 نظرا للتقييد الذي فرضته بما لا يتوافق وأحكام الدستور وعلى الأخص المادتين 36،37 منه كما أن المادة 17 والتي تحصن قرارات رفض تراخيص الصحف تكون ملغية بحكم المادة 169 من الدستور والتي قررت امتداد ولاية القضاء ليشمل جميع القرارات الإدارية المخالفة للقانون، وهو نص عام مطلق لا يجوز معه الاستثناء أو التخصيص إلا بنص تكون له ذات قيمته الدستورية. ولعل القول بالإلغاء الجزئي يسنده أيضا أن نصوص الدستور هي الأحدث من جهة والأعلى من حيث القيمة من جهة أخرى، بما لا يصح مع وجودها القبول بنصوص سابقة عليها في ظل المادة 180 منه والقول بسريانها واستمرار العمل بها، فضلا عن سمو وعلو النصوص الدستورية موضوعيا وشكليا على نصوص القانون رقم 3 لسنة 1961 والخاص بالمطبوعات والنشر .
ولا يقدح في سلامة الرأي الذي انتهينا إليه، أن العمل في الكويت قد تم بموجبه التعامل مع قانون المطبوعات والنشر والقبول به، واعتبار ذلك قرينة على عدم معارضته لأحكام الدستور، إذا أن أحدا لم يثر هذا الموضوع حسب علمنا ولم يناقشه على النحو الذي اجتهدنا في القيام به، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى من المتصور في اعتقادنا انه لو تم إثارة الموضوع أمام المحكمة الدستورية في الكويت ان تنتهي إلى عدم دستورية هذه النصوص ومن ثم تأكيد إلغائها بحكم الدستور ذاته.
ولا يقلل من حجة الرأي الذي قلنا به ما قد يذهب إليه البعض من القول بأن النص المتعلق بتحصين قرارات رفض التراخيص لا يتعارض مع نص المادة 169 من الدستور بدليل أن القانون رقم 61 لسنة 1982 في مادته الأولى فقرة خامسا التي قد قرر تحصين قرارات تراخيص الصحف رغم صدوره بعد الدستور بما يؤكد عدم سلامة القول بتعارض أحكام المادة 17 التي تحصن قرارات رفض تراخيص الصحف مع الدستور. وردنا باختصار شديد على ذلك هو أن هذا القانون مثل غيره من القوانين تتوافر له قرينة الدستورية إلى ان يقرر القضاء الدستوري عدم دستوريته، كما وان هناك عددا من القوانين التي تحمل في ثناياها مخالفة للدستور سارية في البلاد وهذا لا يعني أنها دستورية لسبب بسيط انه لم يتم الطعن بها أمام القضاء الدستوري الذي له وحده الحق في قول كلمته في شأنها، وهذا هو الوضع ذاته بالنسبة لنص المادة الأولى فقرة خامسا من القانون رقم 61 لسنة 1962، وعليه فهذه الحجة مردودة على قائلها في رأينا. وسوف نتناول تفاصل ذلك في المبحث الثاني عند دراسة القيمة القانونية للنصوص المحصنة لبعض القرارات والمانعة من التقاضي .
ج- نظام تراخيص الصحف حائر بين نظامين من أساليب تنظيم الحريات
تظهر دراسة النصوص التشريعية المختلفة لقانون الطباعة والنشر الأول الصادر في عام 1956، وكذلك القانون رقم 3 لسنة 1961، وأحكام الدستور الكويتي وعلى الأخص المواد 36، 37. بالإضافة إلى الوضع التاريخي لنشأة الصحافة في الكويت، والأحكام والمبادئ الدستورية المختلفة التي قررها دستور عام 1962 في شأن الحقوق والحريات العامة ، أن نظام تراخيص الصحف في الكويتي من الناحية التشريعية حائر بين النظامين الأساسين اللذين يحكمان أساليب تنظيم الحريات. ألا وهما النظام الوقائي والنظام العقابي .
فوفقا للنظام الوقائي الحرية تخضع لمبدأ الموافقة المسبقة على ممارستها من قبل السلطة التنفيذية أو السلطات الإدارية التابعة لها، فالمبدأ السائد في ظل هذا النظام كل ما ليس بمباح فهو محرم ويحتاج إلى إذن أو ترخيص خاص به عند ممارسته.(102)
أما النظام العقابي فإن الحرية في ظله تمارس دون أن تتوقف على إذن مسبق من قبل الإدارة، إذ أن هذا النظام يعتنق الأصل العام في ممارسة الحرية والأمور المختلفة الا وهو مبدأ كل ما ليس بمحرم فهو مباح،(103) وهي القاعدة الأصولية التي تعرفها الشريعة الإسلامية "الأصل في الأمور الإباحة" إلا ما حرم بنص خاص.(104)
ولا شك في أن هناك تناقضا في النظامين من حيث نظرتهما إلى كيفية تنظيم الحرية. وبدراسة وتحليل النشأة التاريخية لنشأة الصحافة في الكويت نجد أنها نشأت بصورة حرة تلقائية حيث بدأت في الظهور منذ عام 1928، ثم توالت بالصدور دون أن تكون خاضعة لتنظيم قانوني معين يقيد صدورها او يستلزم حصولها على إذن مسبق قبل قيامها.(105)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(102) انظر محمد محمد عبد اللطيف "الحريات العامة" مرجع ذكره ص، وانظر أيضا د.حسين قايد "حرية الصحافة"مرجع سبق ذكره ص 14 .
(103) انظر في ذلك د.محمد الفيلي "تشريعات إعلامية" مرجع سبق ذكره الصفحات 9-11 .
(104) انظر د.محمد فاروق النبهان"نظام الحكم في الإسلام" مطبوعات جامعة الكويت 1987 ص 230 وما بعدها.
(105) انظر د.محمد حسن عبد الله "صحافة الكويت" مرجع سبق ذكره ص 194 .
وبذلك فقد وجدت الصحافة نفسها في ظل نظام حر للنشأة والصدور يجد سنده في العرف الواقعي الذي نشأت في كنفه. ومع صدور قانون الصحافة الأول عام 1956، نجده قد اعتنق نظاما ينحاز للنظام العقابي في تنظيمه لحرية الصحافة والمطبوعات، إذ لم تخضع المطبوعات والطابع إلا إلى نظام الإخطار السابق للإدارة، دون أن يكون ذلك متوقفا على موافقتها وإذنها في ممارسة هذه الحرية.(106) فالمادة الثانية من هذا القانون تقرر بأنه "يجب ان يخطر كل طابع دائرة المطبوعات والنشر كتابة بإنشاء مطبعته قبل مزاولة أي عمل فيها". وهو ما سارت على خطاه المادة الثالثة أيضا والتي قررت "يجب على كل طابع قبل ان يتولى طبع اي مطبوع دوري ان يقدم إخطار مكتوبا بذلك لدائرة المطبوعات والنشر".
وهو تنظيم يتفق تماما مع النظام العقابي الذي يحدد فيه القانون نطاق التصرف المباح ثم يترك للأفراد حرية القيام بالتصرف على الوجه الذي يحلو لهم، فإذا تجاوز الفرد حد التصرف المبـاح ودخل في دائرة التحريم ناله العقاب المقرر سلفا في القانون في ظل هذا النظام.(107)
بل أن هذا القانون حتى في شان نظام إصدار الصحف قد انحاز إلى النظام العقابي فهو وان لم يتبن نظام الإخطار بالنسبة للصحف، إلا انه اعتنق في خصوصها نظام الترخيص البسيط، أي ذلك الترخيص الذي لا تملك السلطة الإدارية في شانه سوى سلطة مقيدة، بمعنى أنها لا يد من ان تجيب طالب القيام بممارسة نشاط إلى طلبه اذا كان مستوفيا للشروط المسبقة والمقررة من قبل القانون(108) وهو ما يعني انه قد توفر سبب القرار ومحله . وبمطالعة قانون الصحافة والنشر الصادر عام 1956 نجده قد أورد في قسمة الثالث إجراءات إصدار الصحف، وتناول في المادة 10 منه على وجه الخصوص البيانات والشروط الواجب توافرها فيمن يطلب إصدار صحيفة، ولم يوقف القانون في أي نص آخر من نصوصه ممارسة حرية إصدار الصحف على إذن الإدارة المسبق الصريح ، بل جاءت المادة 11 منه لتنص بصورة تقريرية، على أنه "عند الترخيص بإصدار الجريدة يودع صاحبها أحد المصارف ...تأمينا بمقدار..." .
وهو ما يكشف عن اعتبار وضع الترخيص بالنسبة لإصدار الصحف في ظل هذا القانون متحققا بتوافر الشروط ، ولا أدل على ذلك من ان القانون لم يتطرق
(106) وقد عرف البعض الإخطار السابق بأنه "مجرد إعلان الإدارة برغبة الأفراد في ممارسة نشاط معين، لكي تكون الإدارة على علم بالمخاطر التي يمكن أن تنجم عن هذا النشاط. "انظر ذلك لدى د.حسين قايد (حرية الصحافة)، مرجع سبق ذكره ص 144.
(107) انظر د. محمد الفيلي "تشريعات إعلامية" مرجع سبق ذكره ص 9-10 .
(108) انظر في ذلك د.ماجد الحلو "القضاء الإداري" 1985، مرجع سبق ذكره الصفحات 60-65 وتحديدا ص 63.
او يستخدم كلمة الرفض نهائيا ولم يعالج آثارها بأية أحكام. ومما يؤكد ان هذا القانون لم يعرف إلا فكرة الترخيص البسيط، الذي يجنح إلى النظام العقابي، في اعتباره ان الأصل في ممارسة الحريات الإباحة، هي المقدمة التي أوردها هذا القانون والتي اعترفت بالنشأة الحرة للصحافة، وانما هدف التنظيم الذي عمد إليه هذا القانون كما أشارت هو تأكيد حريتها وتيسير ممارستها، وقد ورد بتلك المقدمة ما يلي:-
"ولما كانت جميع الدول المتحضرة تقدر مكانة الصحافة ورسالتها في حياة الأمم والشعوب فإنها عالجت أمرها بقوانين تنظم شئونها وترفع مستواها ... وترتب صلاتها بالحكومة على نحو يذود عنها التعسف ويبين لها امتيازاتها حتى تساير الزمن وتبلغ مدارج في النضج والاستواء. وقد رأت حكومة الكويت ان تنهج هذا النهج القويم فوضعت لأول مرة في تاريخ البلاد قانونا للمطبوعات والنشر".
وفي عام 1961 وعلى إثر صدور قانون المطبوعات والنشر رقم 3 لسنة 1961 الحالي، نجد أنه قد مازج بين النظامين العقابي والوقائي في تنظيمه للحريات الإعلامية والصحفية مع ميل اكبر نحو ثانيهما. فقد اعتنق هذا القانون في شأن الطابع والطباعة نظام الإخطار المسبق قبل مزاولة أي منهما عمله،(109) كما قررت نصوصه ذات المبدأ في حال إجرائها أي تغير في عنوانها أو أسمها او حتى بيعها والتنازل عنها (110) وهو ذات الحكم الذي قررته المادة 6والتي تقرر على كل طابع إخطار دائرة المطبوعات خطيا يتولى إصدار مطبوع دوري قبل إصداره(111) .
أما بيع المطبوعات فقد أخضعه هذا القانون للترخيص المسبق من دائرة المطبوعات والنشر وفقا للمادة 7 منه.(112) وهنا يتبين لنا خروج القانون عن نسق النظام العقابي وانتقاله إلى النظام الوقائي، وقد ظهر بصورة أوضح ميل قانون المطبوعات والصحافة الحالي للنظام الوقائي والأخذ به بصورة جلية، في شأن إصدار الصحف، حيث انه أخضعها لنظام الترخيص المسبق بحكم صريح وواضح قررته المادة 3 منه والتي تنص على أنه " لا يجوز إصدار جريدة إلا بعد الترخيص في إصدارها من رئيس دائرة المطبوعات والنشر"
(109) تنص المادة 2 من القانون رقم 3 لسنة 1961 على انه "على كل طابع أن يخطر كتابة دائرة المطبوعات والنشر بإنشاء مطبعته قل أن يزاول العمل فيها".
(110) يجري نص المادة 3 من القانون المذكور بما يلي:"إذا عطل الطابع مطبعته او غير مقرها أو اسمها او باعها أو نزل عنها لاي شخص أو هيئة وجب عليه أن يخطر كتابة دائرة المطبوعات والنشر خلا ثمانية أيام ".
(111) تنص المادة 6 " على الطابع قبل أن يتولى إصدار أي مطبوع دوري ان يقدم إخطار مكتوبا إلى دائرة المطبوعات والنشر".
(112) تنص المادة 7 على انه "لا يجوز بيع المطبوعات أو توزيعها في اي مكان إلا بترخيص من دائرة المطبوعات والنشر".
وتابعتها في ذلك المواد 14، 15، 16، 17 من هذا القانون والتي جعلت للإدارة ليس فقط الإذن بممارسة إصدار الصحف بموافقة مسبقة وانما قررت للإدارة سلطة تقديرية واسعة في رفض الترخيص بإصدار الصحف دون تسبيب، وانما تركت ذلك لمحض سلطتها التحكمية.
وهذا التوجه جعل نظام تراخيص الصحف في وضع حائر بين نظامي تنظيم الحريات العامة، مع ترجيحه للنظام الوقائي، وقد تجلت صور الحيرة والتردد بين النظامين في مراحل التشريع الإعلامي والصحافي، فبعد أن كانت الصحف حرة بشكل مطلق في نشأتها الاولى، اصبحت خاضعة لفكرة الترخيص البسيط مع استمرار نفس الحرية والنظام العقابي وفقا لقانون عام 1956، ثم أصبحت مترددة بين نظامين: النظام العقابي بالنسبة للمطبوعات والطابع، والنظام الوقائي بالنسبة لتراخيص إصدار الصحف مع تغليب الأخير بشكل عام، وقد استمرت حالة التردد والحيرة إثر صدور الدستور الكويتي الحالي في 11/11/1962، حيث انه اعتنق النظام العقابي في تنظيمه للحقوق والحريات العامة، حيث ان سلطة المشرع في شانها سلطة تنظيم احترازي، لا انتقاص أو نقص أو مصادرة. وهو ما كشفت عن المواد من 27-49 الواردة في باب الحقوق والواجبات العامة.
ومما زاد حالة التردد تلك انه قد استمر العمل بقانون المطبوعات حتى بعد صدور الدستور رغم اختلاف المنهجين الخاصين بالحريات بينهما، وقد برزت حدة التردد والحيرة في التعديلات التي لحقت قانون المطبوعات والنشر، إذ ان هدف البعض إلى إسقاط حالات التعطيل الإداري فيما كان هدف البعض الأخرى بسط هيمنة وسيطرة السلطة الإدارية عليها بإعادة فرض التعطيل الاداري، وقد سبق لنا ان تناولنا ذلك بشيء من التفصيل المناسب في المطلب الثاني من هذا المبحث وعليه نحيل إليه اكتفاء بما سبق نقاشه هناك .
د- التشدد سمة ظاهرة في نظام تراخيص الصحف.
أتسم نظام تراخيص الصحف وفقا للقانون رقم 3 لسنة 1961 بخاصية واضحة هي تشدده المبالغ به في نظام منح التراخيص.(113) ويظهر هذا التشدد بوضوح فيما يتعلق بتقديم الطلب والبيانات والإجراءات التي يلزم استيفاؤها عند تقديم الطلب، ثم بعد ذلك في مرحلة إصدار الترخيص، حيث لا بد من صدوره بصورة صريحة وهو ذات المسلك الذي تبناه المشرع المصري(114)
بل أن المشرع الكويتي قد بالغ في التشدد حيث انه اشترط إيداع مبلغ تأمين بعد صدور الترخيص وعلق سريان الترخيص ذلك على شرط فاسخ حسب نص المادة 18 منه مؤداه سقوط الترخيص لعدم استيفائه للشرط الذي علق عليه وهو دفع التأمين. ومن مظاهر التشدد الذي جنح إليها المشرع الكويتي أيضا منحه السلطة الإدارية الحق في رفض ممارسة حرية الصحافة برفض منح الترخيص، وقد ساوى في هذا الشأن بين الرفض الصريح واعتبار مرور المهلة المقررة بالقانون دون الرد رفضا ضمنيا، وهو منحى يخالف ما تبنته بعض التشريعات في دول الخليج.(115)
ولم يفتح القانون الكويتي المجال لمن رفض الترخيص له بإصدار صحيفة سوى للتظلم الإداري فقط، بل حتى هذا التظلم فانه مقيد بان يكون تظلما ولائيا أولا فإذا لم يجب إلى تظلمه، فانه يلجأ إلى التظلم الرئاسي المتدرج بمعنى انه جعل التظلم الولائي وجوبيا وشرطا لقبول التظلم الرئاسي، وهذا مظهر أخر من مظاهر التشدد في نظام تراخيص الصحف في الكويت. فضلا عن ذلك فإن القانون قد حصن قرارات الإدارة برفض تراخيص الصحف من إمكانية الطعن القضائي عليها، مما زاد في إمعان هذا القانون في التشدد والمبالغة فيه، وأخيرا فان أحوال إلغاء التراخيص قد تضمنت حالات تؤكد سمة التشدد الذي اتصف بها هذا القانون ومن ذلك حال عدم الصدور المتوالي لمدة ستة اشهر تؤدي لإلغاء الترخيص، ومن ذلك أيضا اذا توفي صاحب الجريدة ولم يتيسر للورثة إصدارها خلال سنة،(116) وهو ما يؤكد سمة التشدد في نظام تراخيص الصحف في الكويت .
(113) انظر د.فتحي فكري مرجع سبق ذكره الصفحات 84-99 .
(114) انظر في بيان ذلك د.حسين قايد مرجع سبق ذكره ص 146، حيث يقرر في هذا الشأن "ولذلك فإننا نرى أن إصدار الصحف يخضع لنظام التراخيص وليس الإخطار، ويعد مسلك المشرع في قانون سلطة الصحافة متفقا مع مسلكه في ظل قانون المطبوعات رقم 20 لسنة 36 وكذا قانون تنظيم الصحافة رقم 156 لسنة 1960."
(115) أنظر في ذلك د. فتحي فكري " التنظيم القانوني في الصحف" مرجع سق ذكره، ص 30.
(116) انظر المادتين 20,21 من القانون المشار إليه .
هـ – المفارقة بين التنظيم الدستوري والتنظيم التشريعي
تعتبرا أحدى أهم الملاحظات التي يمكن آن يخلص إليها من يتناول دراسة نظام تراخيص الصحف في الكويت هي تلك المفارقة بين التنظيم الدستوري للصحافة، والتنظيم القانوني لها. ففي حين يعمد التنظيم الدستوري، إلى كفالة حرية الصحافة وتكريسها والاهتمام بها باعتبارها من الحقوق الدستورية الأساسية ويعمد إلى آن يوليها الاهتمام اللائق بها باعتبارها من الحريات الفكرية الهامة اليوم لأي مجتمع إنساني، وبها ومن خلالها يتم التكامل مع العديد من الحريات الفكرية الأخرى سواء أكانت شديدة الالتصاق بها مثل حرية الرأي والتعبير عنه أو تلك التي تكون اقل التصاقا مثل حرية التجمع والاجتماع .
بل ويعمد إلى تنظيمها بما يتحقق معه من ذلك التنظيم ضمان أصل الحق والتأكيد عليه، تاركا بعد ذلك تنظيم إجراءاته وتفصيلاته للمشرع العادي، فضلا عن ذلك فإن التنظيم الدستوري قد ذهب إلى وضع الضمانات اللازمة لتحقيق تمتع الأفراد بهذه الحرية بصورة كاملة مع تمكينهم من الذود عنها وحمايتها حال الاعتداء عليها بالعديد من الضمانات التي تبلغ غايتها في الحماية القضائية التي هي الضمان الأهم قاطبة.
نقول بالرغم من كل تلك الأمور التي حرص عليها التنظيم الدستوري للحريات الصحفية وعلى نحو ما فصلناه في المطلب الأول من هذا المبحث، نجد ان المفارقة تتمثل حقا في سير التنظيم القانوني في الاتجاه المعاكس الهادف إلى تقليص هذه الحرية ومحاصرتها بل ومصادرتها كلما كان له سبيل إلى ذلك وهو ما لم يتردد القانون رقم 3 لسنة 1961 في إظهاره في العديد من النصوص سواء كان ذلك في اعتناقه للمنهج الوقائي في تنظيم الحرية الصحفية خلافا للدستور، في انتقاصه من تلك الحرية الهامة من خلال نظام الترخيص المتشدد الذي تبناه في شأنها، أو حتى مصادرتها والقضاء عليها واهدار ضماناتها، بما قرره من جواز رفض الإدارة الترخيص بممارسة هذه الحرية، ووصده للباب أمام الأفراد بخصوص الطعن بقرارات الرفض تلك والتي تعتبر وبحق قبرا لحرية الصحافة ومصادرة لها والإتيان على البقية الباقية منها .
وهكذا يتكشف لنا حجم المفارقة التي لمسناها من خلال تعقبنا للتنظيم الدستوري لنظام تراخيص الصحف بالمقابلة والمقارنة مع التنظيم التشريعي لها على نحو يدعونا إلى مناشدة المشرع بضرورة أعمال خطاه للانتصار للدستور ورفع هذه المفارقة بأسرع فرصة ممكنة .